فاجئني صديقي بالقول أن كل أطراف الأزمة في مصر تراهن على خرابها، وأن الجميع يرى أننا لن نخرج من هذا النفق المظلم إلا على جثة بلدنا الحبيب، فهل بالفعل يراهن الجميع على خراب مصر من أجل حل الأزمة؟ بداية علينا أن نتفق على بعض المسلمات ثم نحاول الإجابة على هذا التساؤل الهام. الأولى أنه من الظلم البين أن يتم المساواة بين صاحب الحق والمغتصب له، فإذا وجدنا بلطجي يستولي على ممتلكات غيره ويدمر فيها ويحرقها فهل نقول لصاحب الحق توقف عن طلب الحق حتى لا يتم حرق ممتلكاتك؟ لا بالطبع بل نحاول أن نسرع الخطى قبل أن يحرق كامل المحتويات. الثانية أن الله سبحانه وتعالى جعل طلب الحق فريضة، والقصاص حياة، والجهر بالسوء جائز إذا كنت مظلوماً، وجعل شهيد قول الحق للأمام الجائر مع سيد الشهداء حمزة فهل للشعب أن يجبن أو أن يتوقف على المطالبة بالحرية تحت دعاوى أكل الميتة ودفع الضر؟ وهل عليه أن يكون مثل مدعي السلفية الذين يتلونون مع كل حاكم ظالم فهم يرون جريمة كبرى أن تتظاهر ضد مبارك بعد سقوطه جعلوا التظاهر والخروج والانقلاب على الحاكم المنتخب جائز ومستحب، بل وشاركوا في جريمة الانقلاب عليه، وفي عهد العسكر يرون المظاهرات حرام والتصويت بنعم على دستور جعل تفسير الشريعة في يد القضاء الفاسد فريضة وواجب. الثالثة أن من فقد الحرية والأمن فقد كل شيء ولا يصلح معه رفاهية العيش وقد جعل الله تعالى الأمن أول شيء بعد الإطعام الذي يقي من الجوع فقال سبحانه "الذي أطعمهم من جوعوآمنهم من خوف" ، ولن يكون الأمن في ظل سلطة مغتصبة لم تتورع في قتل نحو سبعة آلاف في شهور قليلة، وكيف يتم طلب الأمن من سلطة احتلال تدرب قوات المظلات والصاعقة والطائرات لمواجهة طالبات وطلبة الجامعة. وإذا سلمنا بالمسلمات الثلاث يتبين لنا أن فرضية أنه لا حل للمشكلة والأزمة الحالية سوى بخراب مصر هو افتراض خاطئ، ولكن لا حل للأزمة سوى باستيقاظ الشعب الغافل عن خوف أو عن عمد بحقيقة ما يدبر له، فكلما ازدادت الهبة والمقاومة الشعبية الرافضة للانقلاب دنت نهايته واقتربت. كما أن السبيل لعدم خراب مصر أو قل المحافظة على ما تبقى منها يستلزم أن يتوقف البعض بحسن أو سوء قصد عن الآراء والمبادرات الداعية لتشتيت الأهداف والجهود، وليتم التجميع حول هدف واحد خرج من أجله الملايين عبر خمسة أشهر متوالية، وقدم الألاف من عمرهم وحريتهم ثمن له، ألا وهو عودة الشرعية كاملة غير منقوصة والقصاص للشهداء، وبعدها فكل الاحتمالات مطروحة، أما غير ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، وليطمئن الجميع أن هناك سيناريوهات كثيرة ممكنة عقلاً وشرعاً لانتهاء الأزمة ليس منها التخلي عن الشرعية. وخلاصة الأمر أن من يقف في خندق الحق هو يسعى إلى عمار مصر وحرية أبنائها، وإذا كان البعض يستعذب حياة العبودية للبيادة، ويجد مليون تبرير شرعي وعقلي لقبول الأمر الواقع فالكثير من شعب مصر عازم على تحرير هؤلاء من تلك العبودية من أجل عمار مصر الحقيقي.