أعربت لجنة الأممالمتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن مخاوفها من ارتفاع معدلات البطالة، وازدياد النقص في الأمن الغذائي، وعدم توفّر السكن بأسعار معقولة، ووصولاً إلى الانخفاض في تغطية التأمين الصحي، وعدم كفاية برامج المساعدة الاجتماعية. وأشارت اللجنة في سياق تقرير لها إلى أنه من القضايا الرئيسية التي شملتها هذه المخاوف، ضعف الحماية القانونية لحقوق الإنسان في مصر، والنقص في الاستثمارات طويلة الأمد في القطاعات الاجتماعية الهامة، واستبعاد المجتمع المدني والمجتمعات المحلية من عملية صنع السياسات. وخلصت اللجنة إلى أن مصر لا تستثمر في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل كافٍ، معربة عن قلقها إزاء التفاوتات الواسعة في توفر الخدمات الأساسية، وانخفاض مخصصات الميزانية باستمرار، في مجال الصحة والتعليم والسكن والمياه والصرف الصحي والضمان الاجتماعي، الذي يؤثر بشكل غير متناسب فى الأفراد والجماعات المحرومة والمهمشة. وانتقدت التخفيضات في دعم المواد الغذائية وتزايد اللجوء إلى الضرائب غير المباشرة، من دون تقييم مسبق لأثارها على حقوق الإنسان التي يحتمل أن تكون شديدة ومن دون دراسة متأنية للبدائل الأكثر إنصافًا لتحصيل الإيرادات. وأوصت اللجنة بأن تقوم مصر بتعزيز تشريعاتها الرامية إلى مكافحة الفساد، مع الأخذ بعين الاعتبار التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عند التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية، من أجل ضمان عدم تعرّض حقوق الإنسان للأذى، وخاصة للفئات الأكثر فقرًا. وفي معرض انتقادها لقانون العمل في مصر، طلبت اللجنة من مصر أن تقوم بتعديل قانون العمل وقانون النقابات الذي يحد من حرية التكوين والتعددية للجمعيات والنقابات واتحاداتها ويفرض قيوداً على الحق في الإضراب، كما أعربت عن قلقها من أن انخفاض "الحد الأدنى للأجور في القانون لا يشكّل ضمانة لمستوى معيشي لائق وهو غير مرتبط بمعدلات التضخم، ولا ينطبق سوى على القطاع العام. وطلبت اللجنة من مصر أن تشرّع حقاً قانونياً لضمان الحيازة، لمكافحة الممارسة "واسعة النطاق" لعمليات الإخلاء القسري، ومن أجل توفير التعويض المادي والمعنوي، موصية كذلك بأن تقوم مصر بضمان تحسين إنفاذ العقوبات القانونية لمعالجة ارتفاع نسبة عمالة الأطفال، والعنف ضد المرأة وأثارت اللجنة هاجساً إضافياً يتعلّق بالفشل في حماية أماكن العبادة، ولا سيما الكنائس القبطية. وانتقدت اللجنة بشدة التمييز الواسع والمنتشر ضد المرأة وتحديدا في مجالات التمثيل السياسي وانخفاض الأجر وانحصار أغلب فرص العمل في القطاع غير المنظم. وانتقدت اللجنة أيضًا التمييز ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية، موصية باتخاذ حزمة من الإجراءات التشريعية المؤقتة لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في مجالات عدة، لاسيما في المساواة في العمل والمشاركة السياسية بما في ذلك عضوية مجلس النواب. وأكدت اللجنة الحاجة لمزيد من الشفافية والمشاركة في اتخاذ القرار وعملية صنع السياسات المرتكزة على المعلومات وأن تتاح للمجتمع المدني قنوات للمشاركة في صنع وصياغة الميزانية والسياسات العامة بشكل جاد. جاءت توصيات اللجنة بعد فحصها للتقارير الدورية التي قدمتها الحكومة المصرية وبعد حوارها مع الوفد المصري الرسمي الذي ضم عدداً من الدبلوماسيين من البعثة المصرية في جنيف، وممثلين عن وزارات الصحة والتعليم والتعاون الدولي، برئاسة مساعد نائب وزير الشؤون الخارجية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني. وأكدت النتائج التي توصلت إليها اللجنة على أن فشل الإدارات المتعاقبة بعد الثورة باتخاذ خطوات ناجعة لمعالجة غياب العدالة الاجتماعية الذي أشعل الثورة - وانعدام العدالة في العمل والسكن والرعاية الصحية والتعليم ومستويات المعيشة - لم يكن خيانة لمطالب الثورة فحسب، بل قامت أيضاً بانتهاك التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، فهناك حاجة لتدابير ملموسة، مثل الإصلاح التدريجي للسياسات المالية، للتمكن من مواجهة الظلم الاجتماعي الراسخ الذي تميّز به عهد مبارك، مشددة على أن تنفيذ توصيات اللجنة ستكون خطوة هامة نحو تحقيق هذه الإصلاحات الأساسية، وللسير على مسار تحقيق مطالبات الشعب المصري بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.