المشهد العنيف الذي نتابعه كل يوم علي شاشات التلفزيون يجعلنا نقول نحن نعيش في فوضي عنف " ، تبدأ هذه الفوضي من أكبر دولة في العالم وهي الولاياتالمتحدة الأميركية التي اعتمدت في عهد المحافظين الجدد ما أطلقت عليه " الفوضي البناءة " واقتحمت قواتها دولتين كبيرتين إسلاميتين هما أفغانستان والعراق وأسقطت نظاميهما . الوثائق التي أطلقها موقع ويكيليكس عن جرائم التعذيب والعنف المتدثر بالطائفية ضد المدنيين في العراق وأفغانستان يعبر عن عنف لا حدود له تمت ممارسته من أجهزة دول سواء العراق وأمريكا ومن هنا كانت مطالبات هيئات دولية عديدة بالتحقيق في هذه الجرائم التي اعتبرت جرائم حرب . من قبل ظهر قس أمريكي مغمور اسمه " تيري جونز" في أمريكا وأعلن أنه يريد حرق المصحف في الذكري التاسعة لأحداث 11 سبتمبر وهو ما وتر العلاقات بين أمريكا والغرب والعالم الإسلامي خاصة مع نمو تيار يميني عابر للقارات بين أوروبا وأمريكا يعزز نزعة الإسلاموفوبيا بين ضفتي الأطلسي وهو شكل آخر من أشكال فوضي العنف الديني . وفي مصر نشبت ملاسنات حادة بين قادة وعلماء رأي كبار علي الطرفين الإسلامي والمسيحي فقد ظهر الأنبا بيشوي وهو الرجل الثاني في الكنيسة القبطية ليقول إن المسلمين بعد أربعة عشر قرنا هم ضيوف في بلدهم مصر – والضيافة ثلاثة أيام بلياليها – وشعر المثقفون والرأي العام في مصر بالصدمة وبعدها بقليل تحدث هو نفسه عن آيات من القرآن الكريم أضيفت إليه بعد تحويله من الصيغة الشفوية إلي التحريرية وهو ما اعتبره مفكرون إسلاميون عدوانا علي مقدس إسلامي لا يجوز التعرض له بأي حال من الأحوال ، من هنا كان دخول الدكتور العوا علي الخط ثم دخول الدكتور عمارة ثم تنادي إسلاميون سلفيون إلي الخروج للمظاهرات للمطالبة بتحرير ما اعتبروه أسيرات مسلمات لدي الكنيسة . وبدا مشهد الفوضي يتسع في مصر في منطقة حساسة جدا متصلة بعصب الوجدان والتكوين المصري القديم والحديث والمعاصر ، هذه المنطقة هي تكوين الجماعة الوطنية المصرية وعلاقة المسلمين والمسيحيين معا . وفي مشهد عنف فوضوي جديد خرجت علينا " دولة العراق الإسلامية " والتي تعد مظلة لتنظيم القاعدة في العراق لتهاجم كنيسة للسريان الكاثوليك وتفجر في مشهد دموي المصلين داخلها حتي بلغ عدد القتلي 52 قتيلا وهو رقم مفزع ، وفي بيان للتنظيم يوسع من خط المواجهة مع المسيحيين في مصر ويطالب الكنيسة المصرية بالإفراج عن كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين في مدة 48 ساعة وإلا فإن التنظيم سيقوم بتنفيذ عمليات تستهدف الكنائس والمسيحيين في مصر . ومع صدور بيان دولة العراق الإسلامية عن مسئوليتها عن اقتحام كنيسة " سيدة النجاة " في العراق وعن تهديد الكنيسة المصرية فإننا نكون إزاء مسرح تمارس فيه الفوضي والعنف معا بشكل لا يمكن تصوره ، كما لا يكن فهمه ففي التحليل النهائي لا يمكننا فهم ما يمكن اعتباره تحولا استراتيجيا في توجهات تنظيم القاعدة في العراق ناحية استهداف غير المسلمين وإدخال مصر كمسرح لعملياته ، فمعظم عمليات تنظيم الجهاد في مصر كانت موجهة لرموز السلطة المصرية ولم تستهدف كنائس ، كما لم تستهدف غير المسلمين وتعتبرهم هدفا وبعض ما حدث في الصعيد كان جزءا من عمليات ذات طابع ثأري وقرابي . يمكنني الذهاب إلي أن دولة الإسلام في العراق تواجه اختراقا أمنيا علي أعلي مستوي ، وهذا الاختراق الأمني ناتج عن عودة قطاعات من الصحوات للعمل المسلح مرة أخري داخل تنظيم دولة العراق الإسلامية كنوع من الاحتجاج علي النزعة الطائفية لدي النظام السياسي العراقي بعد احتلال العراق وكتعبير عن الغضب السني تجاه الموقف الأمريكي من هذه الصحوات ، كما أن الأجيال الجديدة داخل تنظيم دولة العراق الإسلامية والتي أطلق عليها " الجيل الثالث " وهم من تبلغ أعمارهم دون الثلاثين وفي ظل فوضي عارمة هي تعبير عن مفهوم " الفتنة " تلوثت عقولهم بالمعني النفسي والعقلي بحيث أصبح العنف ممارسة يومية كالخبز لا يمكن أن يعيش المرء بدونها ، ومن ثم فقد فقد المنطق وأصبح غاية في ذاته . ومن ثم صرنا بإزاء أشكال عصابية أقرب إلي حالة المافيا افتقدت الرشد والعقل والمرجعية وأصبحت تخبط خبط عشواء بلا هدي . أمريكا هي من أسس للعنف في العراق وتنظيم القاعدة هو من شاركها ، وبينهما اتسع منطق العنف وتداعي حتي شمل قطاعات في مصر ما كان لها أن تذهب هذا المذهب الخطير في نقاشاتها وسجالاتها ، وهنا فإن دور الدولة يجب أن يكون في القلب فحين تضعف الدولة أو تغيب تعلو سيناريوهات الفوضي والعنف كما هو الحال في العراق واليمن ومناطق الساحل والصحراء وووزيرستان ، ومصر لا نريد لها أن تكون مسرحا للعنف أو الفوضي ، كما لا نريد لتنظيم القاعدة أن يأتي إلينا ليحل توترات المصريين الداخلية ، فهم قادرون علي أن يصلوا فيها إلي كلمة سواء .