الذين تظاهروا أو كتبوا أو كونوا مجموعات على الفيسبوك من أجل كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، هم أول الرافضين لقيام تنظيم القاعدة في العراق بالهجوم على كنيسة سيدة البشارة للسريان الكاثوليك في بغداد واحتجاز رهائن من المصلين المسيحيين وقتل 37 منهم. التنظيم المسمى "دولة العراق الإسلامية" في بيان تبنيه للهجوم أمهل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية 48 ساعة للإفراج عن مسلمات "مأسورات في سجون أديرة مصر" حسبما أورد مركز سايت الأمريكي المتخصص في مراقبة المواقع الإسلامية. على الفور تناقلت الوكالات البيان الذي لا أجد سببا لتصديقه وأجد مليون سبب للتشكيك فيه، مستبعدا أن تتجاوز هموم ذلك التنظيم الذي يعمل في العراق الحيز الجغرافي الذي يوجد فيه. كما أن بنية تنظيم القاعدة الهرمية الرئيسة لا تدير عملياتها بهذا الشكل العبثي مع إدراكها أن احتجاز كاثوليك في كنيسة عراقية لن يحرك جفن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أو يجبرها على إظهار كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين. نحن أمام بيان تداولته مواقع انترنتية تم التوسع فيه بشكل يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها، فحملة الذين يعتقدون أن الكنيسة المصرية تحتجز الاثنتين اللتين وصفتهما وكالة فرانس برس أمس بأنهما أشهر إمراتين في مصر، لم تخرج أبدا عن قنواتها السلمية، بل كانت تحذر دائما من التحريض ضد سكان مصر المسيحيين وتعتبرهم شركاء في الوطن يواجهون نفس معاناة بقية الشعب من المسلمين مع المشاكل الإقتصادية والمعيشة اليومية والفساد وهيمنة الحزب الوطني الحاكم على الحاضر والمستقبل. وواقعيا لم يسبق أن سجلت خارطة العنف في مصر طوال تاريخها هجوما على كنيسة واحتجاز مسيحيين فيها كرهائن مقابل تحقيق مطالب معينة، ولم يكن المسيحي العادي في حد ذاته هدفا للقتل في ذروة حرب الجماعات الإسلامية ضد الدولة في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي. بيانات مواقع الانترنت التي يقال دائما إنها قريبة من القاعدة أو متحدثة باسمها، لا يجب أخذها على سبيل الجد، فكثير منها مضلل، لا يختلف عن عن تلك التي كانت ترسل بالفاكس في الماضي إلى مكاتب وكالات الأنباء والصحف معلنة مسئوليتها عن هجوم واحد، فإذا بنا أمام جماعات متعددة كلها مسؤولة والأهداف والمطالب متباينة. قتل مهاجمو الكنيسة العراقية التسعة وذهبت معهم كل الخيوط التي يمكن أن تقودنا إلى الحقيقة، لكن بقي أن بعض المتعاطفين مع القاعدة نجحوا في خلق هالة من الهلع داخل مصر دون أن يحركوا نحوها إرهابيا واحدا. إنها نظرية الأواني المستطرقة التي تم نقلها من ساحات المختبرات العلمية إلى ساحات العنف بضغظة زر على الانترنت لنشر بيان مختلق. اُستنفرت الأجهزة الأمنية المصرية فكثفت إجراءاتها ووجودها حول الكنائس والأديرة في القاهرة والأقاليم والمدن والقرى، خصوصا أن تنظيم "دولة العراق الإسلامية" هدد باستهداف الكنائس المصرية. تهديد يوحي بأن ذلك التنظيم تجاوز المحلية والحالة العراقية وصار قادرا على توجيه ضرباته إقليميا، وأهدافه لم تعد تنحصر في الداخل العراقي، بما يعني أنه ورث تنظيم القاعدة الأم وجلس في مكانه كبديل عنه في العالم العربي ربما، أو في إقليم الشرق الأوسط ككل. لا يمكن تصديق ذلك لكن الهدف تحقق فقد اُستطرقت الكنائس المصرية بهجوم دموي على كنيسة عراقية، مع مزيد من الانفاق الأمني في القاهرة وخوف وتوجس من أن تتلقى الضربة القادمة. الأخطر هو ذلك الذي قد يجده التيار السلمي الحانق على قيادات الكنيسة المصرية لأنها لم تظهر السيدتين وفاء وكاميليا لتكذيب من يقول إنهما مسلمتان محتجزتان، فقد تتخذ ضده إجراءات ستصنف أمنيا بأنها لحماية المسيحيين، وحقوقيا بأنها تكبيل لحرية الرأي والتظاهر والمسيرات. فهل هي استراتيجية جديدة من كارهين لاستقرار مصر وسلامها الاجتماعي نجحت في تحريك الخوف والقلق وضرب السياحة وتنشيط حالة الطوارئ دون أي مواجهة على الأرض؟.. [email protected]