رغم تكرار حوادث الشغب الطائفي في مصر ، إلا انه ليس ثمة من يريد أن يناقش هذا الملف بشفافية وبصراحة وبدون مجاملات ... لا المثقفون يريدون التعاطي معه بهذه الشفافية ولا القيادة السياسية تريد أن تفهم أنها بسياساتها غير المسؤولة كانت جزءا أصيلا من المشكلة. على سبيل المثال ظل البابا شنودة وحتى أزمة اسلام وفاء قسطنطين .. في منزلة التقديس .. عند غالبية المثقفين المسلمين والمسيحيين .. ولايجرؤ واحد منهم على الاقتراب منه لا نقدا ولاقدحا ... بدعوى ان ذلك قد يعتبر اثارة ل"الفتنة الطائفية" وكان الحال كذلك مع الكنيسة المصرية في عهده !. والحال أن قلة من النصارى هم من تجرأو على نقد سياسات البابا والكنيسة ... من منطلق اصلاحي وطني وعوقبوا بالتكفير وحرمانهم من أية رعاية كنسية والتوصية بعدم الصلاة عليهم في الكنائس بعد مماتهم مثل الكاتب الصحفي سلامة موسى والمفكر القبطي الكبير نظمي لوقا والقس الاصلاحي النبيل الراحل ابراهيم عبد السيد ، وآخرهم السياسي القبطي الكبير جمال اسعد عبد الملاك الذي عاقبه البابا بحرمانه من دخول الكنائس !. وفي المقابل كان بعض المثقفين الاقباط ينتقدون ممارسات المؤسسة الدينية الاسلامية في مصر والتيار الاسلامي من منطلق حركة التنوير المصري التي شكلت من أطياف وطنية مختلفة وليست طائفية ولعلنا نتذكر كتابات غالي شكري ورفيق حبيب وغيرهما . ولقد سمعت بنفسي أمين اسكندر في ندوة بنقابة الصحفيين وهو يعترض على من يقولون إن مصر هويتها عربية و اسلامية .. ولم يثر كلامه حفيظة أحد من الحضور إلا الزميل صلاح عبد المقصود والذي تدخل بلطف مصححا وجهة نظر اسكندر . لم يكن لدى المسلمين أية حساسية في كتابات شركائهم الاقباط طالما أنها كانت تبدو لهم تصدر من منطلق وطني وليس طائفيا . ومع ذلك ظلت الكنيسة بمنأى عن اقلام الكتاب والصحفيين المسلمين حرصا على مشاعر الرأي العام القبطي في مصر ، وهو السكوت الذى اعتبرته الكنيسة "حصانة" أبدية تعصمها من النقد و اغراها بمضي الوقت لتفعل ما تشاء متترسة في هذا الرادع الخفي الذي أوجدته الحساسية المفرطة ازاء كل ماهو قبطي أو كنسي .بل وسكتت الصحافة ايضا على الطريقة غير المسؤولة التي تعاطى بها النظام مع الشأن الكنسي أو مع أية تحركات قبطية تنتقص من ولاية الدولة على الكنيسة ، وتعطي للأخيرة حقوقا هي في واقع الحال حقوق قانونية ودستورية للدولة ، باعتبار النصارى مواطنين يتبعون دولة مصر وليس رعايا للكنيسة . كان تراجع دور الدولة وتعاظم دور الكنيسة ومكانة البابا شنودة السياسية باعتباره زعيما سياسيا للأقباط وليس مسؤولا دينا وحسب ... كان يحدث ذلك باضطراد أمام المثقفين المصريين وكأنه رغم خطورته البالغة يحدث في جمهورية بوركينا فاسوا ،وليس في بلدهم مصر ! وعندما أدين قضائيا ثلاثة من القساوسة في الكشح ... باثارة الفتنة وحمل السلاح في وجه الدولة ... احيل الثلاثة إلى الكنيسة لتوقع عليهم الجزاءات العقابية ..! أي أن الكنيسة حلت وبرغبة الدولة محل الاخيرة ، تحقق وتعاقب وتقضي في جرائم جنائية !! وعندما نشرت صحيفة النبأ تحقيقا صحفيا لقس مشلوح مارس الرذيلة في احدى الاديرة المقدسة عند النصارى كما زعمت الصحيفة .... انتقلت الدولة عن بكرة أبيها إلى المقر الباباوي لتقديم الاعتذار للبابا الشنودة وفي تصرف غريب وشاذ وغير مسؤول ، وكان اعتداء صريحا من الدولة وكل مؤسساتها ومن الكنيسة أيضا على حرية الصحافة ، خاصة وأن التحقيق من الناحية المهنية كان عالي الحرفية ، لم يكن يعيبه إلا انه نشر صورا فاضحة للقس الخليع والمشلوح ، حتى أن نقابة الصحفيين التي كان من المفترض أن تدافع عن حرية الصحافة ، جاملت البابا شنودة وفصلت تعسفيا رئيس التحرير وشطبته من جداولها ... غير ان قضاء مصر العادل اعاد الصحفي إلى جداول النقابة مجددا بعد أن اعتبر ما نشر جاء في سياق حرية الصحافة . لم ينتبه بعض الكتاب المصريين لخطورة السكوت عن ممارسات الكنيسة إلا بعد "خراب مالطا" كما يقولون وبعد أن تغولت سلطة الكنيسة وباتت قادرة على اخضاع رؤوس كبيرة بالدولة .. واستخدامها كعصى غليظة لقمع المسلمين واخراسهم أمام تجاوزاتها المثيرة للفتنة والمضرة لمصالح الاقباط قبل المسلمين . كثيرون هم من خانوا هذا الملف وتخلوا عنه وتركوه حتى استشرى وتضخم مثل الورم السرطاني الذي يقتضي مصارحة المريض بحقيقة مرضه .. حتى يتهيأ ويقبل بأكثر الحلول ايلاما متى شاء أن يبقى على قيد الحياة [email protected]