كنا نقف في الطابق الثاني والخمسين من المرفأ المالي التجاري بمدينة المنامة عندما تقدم منا الصحفي المخضرم أحمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية مصافحا ومتسائلا: متى نرى مثل هذا المبنى في مصر؟! مصر لا تحتاج إلى مبان شاهقة أو ناطحات سحاب. احتياجها المُلح هو التغيير. أن تبدل وجوها ألفتها على كراسي الحكم ولا ترغب في المغادرة. مستحيل أن يفعل الحكام المؤبدون شيئا نافعا. سنة الله في الأرض أن لكل شيء فترة صلاحية، الدواء مثلا لابد أن يكتب عليه التاريخ الذي تنتهي عنده صلاحية الاستخدام، وإلا تحول إلى سم قاتل! لم يمض يوم على سؤال الجار الله إلا وكتب ممتدحا القرار الذي أعلنه مسئول الإعلام في الحزب الوطني الدكتور علي الدين هلال بأن الرئيس مبارك هو المرشح للانتخابات الرئاسية العام القادم. تكاد حروف مقاله تنطق بالسعادة والفرحة كأن القرار أنقذ مصر من الضياع.. فهل كان الجار الله معبرا عن مشاعرة فعلا، أم أنه يرى بلادنا من نظارة متأثرة بعلاقاته وقربه من رجالات النظام في القاهرة. نعرف علاقاته القديمة بالسادات وبمبارك. ومتأكدين من حبه الجارف لمصر الذي جعله يقف وحيدا مدافعا عنها وسط إعلام عربي استل سيوف الهجوم عليها عندما قرر العرب مقاطعتها عقابا لها على زيارة السادات للقدس واتفاقية كامب ديفيد التي انهت حالة الحرب بين مصر واسرائيل. لكننا ننتظر منه أن يكون حبه لمصر غير مرتبط بشخص الحاكم، صوتا مسموعا مساندا لإرادة التغيير. فالمبنى الشاهق الذي يتمناه لمصر يجب أن يكون هو الديمقراطية وانتقال السلطة بواسطة صناديق الانتخاب. فقر الإعلام الحكومي وسقوطه من ثقة الناس جعلت القاهرة تبحث عن أقلام عربية لا يمكن الظن أنها محسوبة على النظام ومنطلقة من أجندته. وهكذا نقرأ الترويج والتبشير بحكم جمال مبارك منذ شهور من كاتب كبير له وزنه هو جهاد الخازن في صحيفة "الحياة" الرصينة والمعتبرة مهنيا. يكتب الخازن شعرا في "جمال" ويتغزل به كأنه "صلاح الدين الأيوبي القادم" الذي سيرفع بلادنا إلى سماء الأمم الكبيرة. يقول إنه حمى الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية ورفع مستوى النمو إلى درجة غير مسبوقة وجعل الصناعات المصرية تغزو أفريقيا والسعودية ويضرب لنا مثلا بأجهزة التكييف التي كانت القاهرة تستورردها من الرياض فصارت تصنعها وتصدرها إليها! لو طلب من رئيس تحرير صحيفة "الوطني اليوم" أن يكتب ذلك لرفض وترك خطاب استقالته على مكتبه وخرج لحال سبيله!.. لم يكلف جهاد الخازن نفسه أن يتجول حرا بلا قيود في شوارع مصر وهو الذي يزورها مرارا، لكنه يصر في كل مرة أن تكون قبلته رئاسة الجمهورية لمقابلة الرئيس مبارك والاشادة به، ثم مكتب السيد جمال مبارك. آه لو يعرف أن مصر ليست مبارك الأب أو الابن ولا القصور الفارهة التي يراها عنوانا لحالة النمو التي خلقها جمال ورجاله من أهل البزنس. مصر هي الفقيرة الجائعة المريضة التي تتوق إلى تغيير ينتشلها من أوضاعها الرثة. نحن لا نريد مباني شاهقة فلن يشفينا سوى وجوه جديدة واستيقاظ على صباح مختلف في كل شيء نرى خلاله الرئيس حسني مبارك مواطنا متقاعدا، وأسرته كأسرة أي متقاعد عن وظيفته الحكومية لا يسعها غير ما يسع ملايين المصريين. هل كثير علينا ذلك أيها السيدان الجار الله والخازن؟!