"هل يمكن للرئيس حسني مبارك وهو يبدأ عامه الثلاثين في حكم مصر خلال الشهر الجاري أن يدرك بأن الصراع السياسي الداخلي سيجبره على استخدام الحاسب الآلى؟"، هكذا تساءل تسيبي برئيل كبير المحللين بصحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في تقرير نشر أمس بعنوان "انتخابات ظاهرية" والذي يسلط فيه الضوء على حركة المعارضة المتصاعدة في مصر عبر الشبكة العنبكوتية. ويقول برئيل إن الشباب في مصر نقل معركته مع النظام إلى ساحة الإنترنت مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، وهو ما دفعه إلى طرح عدد من الأسئلة الموجهة للرئيس مبارك عما إذا كان بإمكانه مواكبة حركة المعارضة النشطة على الإنترنت. ومضى متسائلاً: "هل يعرف (مبارك) أن منافسيه هم مجموعة من المدونين وأصحاب الجروبات الإلكترونية، وهل جاء في مخيلته أنه سيضطر ذات يوم إلى التنازل عن احتكاره للخطاب الشعبي لصالح مجموعة من الشباب يبلغون من العمر من 18 إلى 27 عاما، والذين عبر الضغط بأصابعهم على أزرار الكومبيوتر و"الماوس" يمكنهم نقل الرسائل إلى ملايين الناخبين الافتراضيين"؟. ويسترجع برئيل البداية، قائلاً إن "ملامح الجبهة الجديدة ضد النظام الحاكم في مصر بدأت في الظهور خلال المعركة الانتخابية عام 2005، حينما استخدمت حركة "كفاية" التي تأسست رسميا قبل عام من هذا التاريخ موقعًا إلكترونيا وبعدها تحولت الى حركة تطالب بتغيير النظام". وأضاف إن "جماعة "الإخوان المسلمين" هي الأخرى قامت بإطلاق موقع على الإنترنت وبدأت في نقل رسائلها عبر الأثير الإلكتروني، وخطا كثير من المدونين الخطوة ذاتها باستخدام الانترنت مطلقين خطابا جماهيريا إلكترونيا، تم ترجمته بعد ذلك إلى مظاهرات بالشوارع المصري، وأدى إلى إضرابات عمالية (في إشارة إلى إضراب 6 أبريل 2008 الذي دعا إليه ناشطون معارضون على الإنترنت)، وصنع منظومة كاملة من الخطاب السياسي البديل والموازي لمبارك ظل فيه نظام الاخير بلا تواجد". لكنه وقبل خمس سنوات كانت فعاليات الإنترنت السياسية لا تزال آنذاك محدودة، فبحسب الأرقام التي أوردها المحلل الإسرائيلي نقلاً عن موقع "إنترنت وورلد ستاتس" العالمي حول مستخدمي الشبكة العنكبوتية، فإن 450 ألف مصري كان يستخدمون الإنترنت حتى نهاية عام 2000، وارتفع عدد هؤلاء إلى نحو 18 مليون مصري، يشكلون 22 % من السكان، وتتراوح أعمار هؤلاء- الذين يقول إنهم يحاولون حسم نتائج الانتخابات المقبلة- ما بين 18 إلى 27 عاما. وقال برئيل إن هؤلاء يقومون بدعوة الشعب المصري إلى مناصرة ومؤازرة الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذين لم يعلن حتى الآن عن ترشحه للرئاسة المقررة في العام المقبل لكنه يتبنى شعار "التعيير يأتي عبر الشباب"، مضيفا أن داعميه أطلقوا "جروب" عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أعلنوا من خلال مطالبهم لتغيير الدستور المصري، ونجحوا حتى الآن في جمع توقيعات أكثر من 120 ألف مؤيد له، أما مؤيدو جمال مبارك نجل الرئيس المصري والذين يراه الأكثر حظوظًا إذا ما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية فقد أقاموا "جروب" على "فيسبوك" يهاجم البرادعي وقاموا بنشر صور لابنته ليلى بملابس البحر. ورأى المحلل الإسرائيلي أن السجال الانتخابي للرئاسة في مصر بدأ مبكرا بدون أي انفصال عن الانتخابات البرلمانية المقررة في 28 نوفمبر القادم، والتي ستكون مؤشرا على انتخابات الرئاسة في العام المقبل، فإذا فازت مجموعات التغيير بعدد من المقاعد بالبرلمان، فحينئذ ستكون انتخابات الرئاسة منفذا للشعب المصري للخروج عن حالة المبالاة التي يعانيها ويقوم فيها بالتعبير عن رأيه. على الرغم من ذلك، قال برئيل إن النظام المصري لا يرى في الشباب الناشط على الإنترنت أي تهديد وإنما ينظر ل "الإخوان المسلمين" على أنهم الخطر الأكبر؛ فالقانون يحظر عليهم تنظيم حزب سياسي لكن مرشحي الجماعة يتقدمون للانتخابات كمستقلين، والشعب المصري يعرفهم كمنتمين للإخوان، وكما حدث في الانتخابات السابقة يمكنهم الفوز في الانتخابات المرتقبة. ولفت إلى أن الفترة الحالية تشهد صراعا بين مجموعات الإنترنت حول المشاركة في الانتخابات من عدمه، موضحا أن الرافضين يؤكدون أن النتائج معروفة مسبقا، ولن يحدث أي تغيير في مصر طالما ظل الرئيس مبارك على سدة الحكم. وقال إن النظام المصري لا يوجه سلاحه فقط ضد "الإخوان" بل ضد وسائل الإعلام والهيئات الرسمية التي لابد وأن تحصل على تراخيص لاستخدام خدمة (SMS)، كما أنه يوجه سلاحه ضد حركات لم تأخذ الطابع الرسمي بعد مثل "كفاية" و"الجمعية الوطنية للتغيير" وحزب "الكرامة" الناصري وتمنعهم من توصيل رسائلهم للآخرين. وأوضح برئيل أن النظام المصري يؤمن بأنه يستطيع التغلب على منظومة المعلومات التي يمكن من خلالها أن تدخل المعارضة في صراع معه لافتا إلى أن تلك القيود وضعت مصر في بؤرة انتقادات عالمية، خاصة وأنها لم تفرض على "فيسبوك" أو المدونين على الإنترنت ولم تعرقلهم عن نقل رسائلهم على مواقعهم الشخصية. وخلص الملحل الإسرائيلي إلى وصف ما يحدث في مصر بأنه حرب رسائل تحاول من خلالها السلطة الدفاع عن الجدار الذي قامت بتطويقه على البرلمان والرئاسة، لكن في ظل ازدياد عدد مستخدمي الإنترنت في مصر في حربهم ضد النظام، وبسبب تعدد وسائل الحرب التي يستعملها هؤلاء لن يجد الرئيس مبارك مفرا من إنشاء جروب على "فيسبوك" كما فعل نظيره الاسرائيلي شيمون بيريز.