اقترن التعبير الشعبي " مجنونة ياقوطة " بمقدمات مهزلة تزوير الانتخابات التشريعية في صورتها الجديدة بعد نجاح التجربة الحية لتزوير انتخابات المحليات والشورى والتي نصح الرئيس مبارك أعضاء حزبه بمواصلة نجاحهم منقطع النظير في انتخابات مجلس الشعب. " مجنونة يا طماطم " هذا النداء المألوف الذي يصدح به الباعة الجائلون في الأسواق لجذب انتباه الزبائن لتلك السلعة شديدة التقلب، صارت من لوازم الرشاوى الانتخابية للحزب الحاكم في طبعته الجديدة، ومع أن أسعار القوطة توصف بالجنون ارتفاعا وانخفاضا إلا أن الذي لم يخطر على بال أي عاقل أن ترتفع أسعارها في مصر مع الخضروات الأخرى حتى وصل سعر الكيلوجرام منها إلى عشرة جنيهات في بلد بيع فيه المتر في أرض مدينتي بنصف جنية لأحد محاسيب النظام وهوهشام طلعت مصطفى في نفس الوقت مازال الراتب الشهري لمعظم العاملين في الدولة يعاني الأنيميا الحادة ويكفي هذا المرتب بالكاد إما لشراء كيلوجرام ونصف من اللحم أو بضعة كيلوجرامات من القوطة، فهل يمكن أن يكون للعقل دور في ظل جنون الأسعار الذي يلتهم الأخضر واليابس ويترك جيوب الموظفين والعمال يصفر فيها الرياح بعد يومين ؟. ففي أعقاب هذا الارتفاع المثير في أسعار الخضروات كالطماطم والبطاطس والخيار والباذنجان وغيرها في الأسبوعين الماضيين تذكرت أحد الشعارات رددها المتظاهرون أثناء الانتفاضة الشعبية في 18،19 يناير 1977 والتي جابت مدن مصر من الإسكندرية إلى أسوان وهي تقول هتاف " ممدوح بيه ياممدوح بيه جوز الجزمة بعشرة جنيه "، أما اليوم فقد صار شراء حذاء واحد يحتاج إلى مرتب شهرين كاملين والامتناع عن الطعام والشراب، فما الذي تغير في المواطن المصري وحوله إلى التعايش مع هذه البيئة المهينة والمذلة ؟. من أهم التجارب التي تحفظها الذاكرة الشعبية أن بعض أعضاء الحزب الوطني الحالي أصحاب تاريخ غير مشرف في اختراع أساليب ووسائل دعائية مهينة ولاأخلاقية مورست في جميع الانتخابات السابقة، حيث تبدأ من البلطجة والتزوير ولاتتورع عن توزيع المخدرات على بعض الناخبين، ولا تنتهي بشراء الأصوات بمقابل عيني أو مادي كمنح شيكارة أرز أو كرتون مكرونة أو بضعة كيلو جرامات من العدس أو دجاجة مصابة بالجدري وربما نصف كيلو من اللحم الصومالي وأحيانا يكون المقابل المادي الذي يدفعه مرشح الحزب يمتثل في نصف ورقة فئة الخمسين أو المائة جنيه لا يحصل الناخب على نصفها نصفها الآخر إلا بعد التصويت، إنه منتهى الاحتقار للشعب واستغلال لحاجة الفقراء ومحترفي التسول في مواسم التزوير (الانتخابات سابقا). والأمر الأكثر مرارة واستفزازا أن معظم أعضاء الحزب لم يخجلوا أبدا من استغلال الأزمات والكوارث التي تحيق بالشعب المصري لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة رغم أن الحزب الحاكم هو السبب الأول فيما يعانيه الشعب المصري- وفقراؤه على وجه الخصوص- من كوارث وأزمات وارتفاع جنوني في الأسعار بسبب سياسة الاحتكار التي جعلت الغالبية من الشعب تقع فريسة لشظف العيش والجوع والمرض والتسول بينما يرفل هؤلاء المحتكرون في نعيم المال العام المنهوب . بالأمس القريب، بعد وصول سعر كيلو الطماطم إلى ثمانية جنيهات تفتق ذهن أحد العباقرة من مرشحي الحزب الوطني عن دائرة بولاق إلى حيلة ساذجة يكسب بها أصوات أبناء بولاق الدكرور في الانتخابات التشريعية القادمة 2010 فأطلق مكبرات الصوت تجوب مناطق أبو قتاتة وعزبة عامر لتبشر السادة الناخبين بأن مرشح الحزب الوطني فلان الفلاني يقدم خدمة جليلة لأبناء الدائرة لتخفيف معاناتهم بسبب ارتفاع الأسعار ويحصل بموجبها المواطن المؤيد للمرشح على صندوق واحد زنته ثلاثة كيلو جرامات بنصف الثمن وبسعر رمزي قدره عشرة جنيهات للصندوق، طبعا منتهى الكرم !!فكم ينهب المرشح مقابل كل كيلو طماطم من ثروات مصر ؟!!. وفي محافظة الشرقية ( على سبيل المثال ) أعلن أحد تجار الخضار عن هدية لكل من يتعهد بالتصويت لمرشح الحزب الوطني حيث يصبح من حق الناخب الحصول على كيلو الطماطم بسعر ثلاثة جنيهات للكيلو، يابلاش !!! وهكذا أصبح مصير الشعب المصري كله معلقا بثلاثية : التزوير، والبلطجة، وأسعار المجنونة. فإذا كان حاضر ومستقبل الإنسان المصري ومستقبل أبنائه من الأجيال القادمة يقوم على أسس راسخة في البلطجة والتزوير واستغلال حاجة الفقراء والمعدمين بهدف الانقضاض على ثروات الوطن في الغد القريب، فأبشر به من مستقبل أسود وتبا لها من أمة ارتهنت شرفها ومستقبل أجيالها القادمة بغرائز الخوف والصمت طمعا في ملء البطون بالحرام، وهي تندفع مستسلمة نحو الهاوية ، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [email protected]