في الاحتفالات بذكري مرور 25 سنة علي حرب أكتوبر – يسمونها اليوبيل الفضي – عام 1998 .. كان لنا في سجن ليمان طرة مشاركة في هذا الاحتفال.. إذ تم تكليف الإخوة المعلمين بإعداد محاضرات حول المعركة من نواحيها المختلفة . فتحدث بعضهم عن يوميات الحرب .. وتحدث آخرون عن دور المخابرات .. وتحدث بعضهم عن الثغرة وحرب السويس.. وتحدثوا عن التوجيه المعنوي واتسع الحديث ليشمل النكسة وحرب الاستنزاف وعوامل النصر والهزيمة. وهكذا وعلي مدار أسبوعين كاملين تناول المتحدثون الحرب من شتي نواحيها عبر فيض من المعلومات الثمينة .. أتاح لنا تفرغنا في السجن وطول المتابعة أن نجمعها من مصادرها المختلفة لنثري هذا الاحتفال . وسط هذا الاحتفاء البهيج كان للشيخ عبود الزمر القدح المعلي فيه.. فقد كان هو الوحيد فينا الذي شارك في هذه الحرب مشاركة فعالة ذات قيمة من خلال موقعه كضابط مخابرات حربية تخصصه الاستطلاع والعمليات خلف خطوط العدو . وقد كان كثيرا ما يثري أسمارنا في السجن بحديثه عن مشاركاته ومشاركات إخوانه في عمليات ما قبل الحرب.. سواء تلك التي أداها وحده أو أداها ضمن فريق عمل . وقد حدثنا في هذا الحفل عن عملية تطوير الهجوم نحو الممرات التي تمت لتخفيف الضغط علي الجيش السوري.. والتي شارك فيها وكان من القلة التي نجاها الله من هذه المعركة . تذكرت ونحن نحتفل هذا العام بذكري هذه المعركة الشيخ عبود أحد أبطال هذه الحرب وهو قابع منذ تسع وعشرين سنة خلف جدران سجنه الموحش .. يستعيد ذكرياتها في أيامه الرتيبة.. كلما مر عليه عام جديد .. ويسترجع بكل فخر بطولاته وبطولات إخوانه في تطهير البلاد من رجس الاحتلال.. فوجدتني أردد مقولة السيدة أسماء بنت أبي بكر وهي تنظر إلي جثمان ولدها مصلوبا في بعض شوارع مكة " أما آن لهذا الفارس أن يترجل ". تسعة وعشرون عاما ً قضاها خلف الجدران تتقلب أيامه في شدة .. تضيق أحيانا وتخف أحيانا أخري.. وهو راسخ رسوخ الجبال لا يضعف ولا يلين حتى تثاقلت علي جسده أمراض وأوجاع السن – سنه 64 سنة - والسجن والمرض . ولكن قلبه وروحه لازالت فتية عفية.. لم يؤثر فيها ما أثر في جسده من وهن وضعف. منذ بضع سنوات كان الغرب يهيئ الجو لخروج مانديلا وإنهاء التمييز العنصري في جنوب أفريقيا عبر حملة دعائية واسعة النطاق.. اشترك فيها كل منظمات حقوق الإنسان حول العالم باعتباره أقدم سجين سياسي في العالم – 27 سنة – وكان أن شاركت نقابة المحامين المصرية عبر مؤتمرات تطالب بالإفراج عنه .. وكنا ساعتها في سجون طرة نتعرض لحملة تأديبية لا أذكر سببها.. فصرخ أحد إخواننا: " هو إيه نقابة المحامين عاملة زي القرع يمد لبره .. ماحنا عندنا هنا عبود مانديلا.. وطارق مانديلا.. وفلان مانديلا.. ليه ما بنسمعش للناس دي حس .. واللا لازم نكون من جنوب أفريقيا " نعم لم يعد حبسه الطويل الذي جاوز الزمن يشغل بال أحد إلا أهله ومحبيه.. أما منظمات الدجل وأكشاك العمالة والعمولات التي تستتر خلف دعاوي الدفاع عن حقوق الإنسان فلها أجندات أخري مستوردة من الخارج فيها الدفاع عن حقوق الشواذ والمرأة المعنفة ومنع ختان الإناث . ولكن ليس من بينها المطالبة بالدفاع عن حق أقدم مسجون سياسي في العالم في الخروج والتنعم بالحرية . ونحن أهله ومحبوه إذ نطلب له الحرية ونناشد المعنيين بالامر أن ينعموا بها عليه.. إنما نناشد فيهم إنسانيتهم أولا مع رجل أثقلته السنون والأمراض .. وأهل أضناهم طول الفراق وأثقال الطريق. وفوق كل ذلك نناشد فيهم تقديرهم لأولئك الذين أقبلوا بصدورهم وقلوبهم وحياتهم وحملوها علي أكفهم في سبيل تحرير هذا الوطن من رجس الصهاينة . ونرجو أن يشفع له جهاده وتضحيته التي لا يبليها الزمن.. ولا تسقط بالتقادم أن تنتهي محنته . ونسأل الله أن يفك أسره وأن ذلك في ميزان حسنات من يمد يدا في سبيل ذلك إنه سميع قريب .