كتب المحلل السياسي الفرنسي (روني جيرار) يوم 13 أبريل بصحيفة(لوفيغارو) الفرنسية تحت هذا العنوان مقالا تحدث فيه عن حصيلة غزو العراق من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتحالف التابع لها بعد ثلاث سنوات، وتطرق فيه إلى المفارقات التي نشأت عن التدخل الأمريكي. وقال الباحث الفرنسي في مقاله: ماذا بعد ثلاثة أعوام؟ في العراق أيام حكم صدام كان هناك أمن مطلق في المدن والبوادي. كان يمكن لأي مواطن أوروبي أن يتجول بمفرده، وفي أي مكان، وفي أي ساعة ليلا أو نهارا، لكن المفارقة اليوم أن العراق الذي تحتله القوات الأمريكية أصبح البلد الأكثر خطرا في المعمورة بالنسبة لأي زائر أوروبي ، وكذلك بالنسبة لمواطنيه ! في ظل (الديكتاتورية البعثية) لم تكن النساء يخفن من الخروج في الشارع، وكانت الأقلية المسيحية حرة في ممارسة طقوسها الدينية. وخلال إحدى هذه الطقوس في بغداد في فبراير 2003 كان يمكن سماع دق النواقيس ورؤية العائلات المسيحية وهي تلتقط الصور التذكارية أمام الكنيسة، لكن هذا المشهد اليوم لم يعد ممكنا حتى التفكير فيه، وأحد نتائج قرار غزو العراق الذي اتخذه واحد من أكثر القادة المسيحيين الغربيين تدينا هو وهذه مفارقة الهجرة التي بدأت تشهدها الأقلية المسيحية العراقية الأكثر عراقة في الشرق. إن المحافظين الأمريكيين الجدد في البنتاغون الذين خططوا على عجل لقلب النظام البعثي في العراق لم يخططوا جيدا لمرحلة ما بعد صدام حسين. لقد كانوا يعتقدون بأن الأمور ستسير نحو الأحسن ، طالما أن نظام صدام كان الأسوأ بين جميع الأنظمة، لكنهم كانوا مخطئين، فاليوم يوجد ما هو أخطر من الديكتاتورية، إنها الفوضى، بل يوجد ما هو أخطر من الفوضى، إنها الحرب الأهلية. ولقد بدأت هذه الحرب فعلا ما بين السنة والشيعة. فبعد العملية ضد مسجد سامراء يوم 22 فبراير الماضي انتفض الشيعة ضد السنة في شرق بغداد. وقضية أن الميليشيات الشيعية تلقى الدعم الخفي من رجال الشرطة توضح بأنه لا يمكن المراهنة على الدولة العراقية لإطفاء نار الصراعات الدينية. بعيدا عن العنف الذي أصبح مشهدا يوميا مكرورا، هنالك عنف آخر بدأ ينتشر داخل الأحياء المختلطة في العاصمة حيث يتعايش السنة والشيعة. فالعراقيون يعيشون في العادة ضمن عائلات كبيرة، وفي حال ما أصر طرف على عدم مغادرة الحي يتم اغتيال فرد من العائلة. هذا النوع من العنف الطائفي)الخفي) يخلف يوميا نحو عشرين قتيلا في أنحاء بغداد، ونموذج التدخل العسكري)الإنساني) للأوروبيين الذي عُرف في التسعينيات من القرن الماضي للحيلولة دون وقوع مذابح طائفية أو إثنية يثير العديد من التحفظات. المفارقة الثالثة للتدخل الأمريكي هي أنه بدل التهدئة أشعل الفتيل. فإقليم كردستان المستقل منذ العام 1991 هو المنطقة العراقية الوحيدة التي تعيش بالفعل هدوءا ورخاء، ولكن سعادة الأكراد لن تستطيع إخفاء الغليان الطائفي(أكراد ضد عرب) المنتشر في المدن المختلطة في كركوك والموصل. إذا صار العراق بلدا أقل استقرارا عما كان عليه قبل ثلاث سنوات، فماذا عن المنطقة؟ لقد كان المسوغان اللذان ساقهما الرئيس الأمريكي جورج بوش لتبرير غزوه للعراق هما محاربة (الإرهاب الإسلامي) ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمفارقة أن الإرهاب بشكل عام قد عرف تمددا قويا في كل المنطقة، ففي المملكة العربية السعودية – مثلا - لا يزال الغربيون يُنصحون بعدم التجول في الشوارع. المفارقة الخامسة للتدخل الأمريكي في العراق هي أن وزارة الدفاع الأمريكية باختيارها التورط في العراق قد فقدت أي قدرة وقائية في مواجهة التطلعات النووية العسكرية لإيران، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد يبدي نوعا من عدم الاهتمام بالتهديدات الصادرة عن واشنطن ، في حال ما إذا رفضت إيران وهذا مؤكد تعليق برنامجها النووي المتعلق بتخصيب اليورانيوم. فمن خلال تأثيرها القوي والملحوظ على الجماعات الشيعية العراقية(أكثر من 55 بالمائة من السكان) تتوفر على سلاح حاسم في مواجهة أمريكا المحاصرة في المستنقع العراقي، والحزب السياسي الأكثر أهمية(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) قد تم إنشاؤه في إيران أيام الخميني، كما أن الجيش التابع له شارك إلى جانب إيران في الحرب الإيرانية العراقية ما بين 1980 و 1988. لقد ظن المحافظون الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن الانتخابات الحرة ستقود إلى ميلاد عراق جديد ودولة نموذجية في المنطقة كلها، ولقد حصلت انتخابات ديموقراطية في يناير ثم في ديسمبر 2005، ولكن الاقتراع لم يؤكد سوى الميول الطائفية للناخبين، فهؤلاء لم يصوتوا على هذا البرنامج الانتخابي أو ذاك، بل فقط وفق انتماءاتهم الدينية أو الطائفية، فعندما تكون الدولة ضعيفة بحيث لا تستطيع حتى حماية أمن مواطنيها، يلجأ هؤلاء إلى الاحتماء بشكل طبيعي بطائفتهم أو أبناء دينهم أو قبيلتهم، وقد نسي المحافظون الأمريكيون أن بناء الدولة كان دائما قبل الديموقراطية وليس العكس، في تاريخ بناء المجتمعات. مع ذلك، فإن الانسحاب من العراق يشكل اليوم بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية(الضمان الأخير لوحدة البلاد) خطأ أكبر من خطأ غزوه، ذلك لأن مخاطر انفجار البلاد بحسب الخصوصيات العرقية الدينية سوف تنتشر لا محالة في جميع منطقة الخليج، لكي تحرق المنطقة الأكثر إنتاجا للبترول في العالم! المصدر : الاسلام اليوم