كانت التوقعات تحمل كثيرا من الحقيقة واستشرفت المستقبل، فبات الأمر واقعاً لا محالة، حيث بدا واضحا لدى الخبراء أن الدعم العربي لمصر لن يكون حلاً ناجعاً لاقتصاد طالما أنهكته الاضطرابات السياسية في البلاد على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، و"نكص على عقبيه" لعدم وجود رؤية تحمل حلول اقتصادية خاصة في ظل تلك الظروف، فلطالما كانت القاعدة تقول "أن الظروف الاقتصادية الخاصة هي التي تدفع إلي اختيار الحلول الاقتصادية الخاصة". ولا مفر من حقيقة باتت واضحة أن الدعم العربي للاقتصاد المصري المنكوب اقترب من نهايته، فقد كان يعتقد أنه في حالة تعثر لبعض الوقت، ولكن تظهر التقارير الواردة أن الدولة المصرية على خلاف مع أفكار أخرى في المنطقة، وحتى إن حظت مصر بالدعم الكامل من المنطقة فلن يخرج عن كونه "مسألة جانبية"، فالبلاد في حاجة جذرية للخروج من الأزمة بواسطة حل مبتكر وغير تقليدي لقضاياها الاقتصادية وهذا ما لم يظهر حتى الآن. وفي زيارة قام بها مؤخرا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، تحدث رئيس الوزراء المصري "حازم الببلاوي" عن "الدعم الكامل" من الإمارات، مدعياً أن حزمة تمويل جديدة "فتحت الباب واسعا للتعاون في المستقبل"، إلا أن الشعور العام لدى الكثير بدا واضحا بأن مصر تحتاج إلى أن تتحمل نسبة أكبر من المسؤولية، لا أن تحتفظ بكل بساطة بفكرة الاقتراض لتلبية الطلب، الذي بدوره سيواجه مزيدا من الارتفاع في عجز الموازنة، وحالة تضخم غير مسبوقة، ليصل الشعور لدى الدول العربية الأخرى كما لو أنهم يغذون المشكلة بدلا من تحديدها فضلا عن حلها. لنخلص من هذا أنه لم يعد الإقراض المستمر عاملاً مستداما وحلاً مع الحكومات المصرية المتعاقبة التي تكافح للتغلب على المشاكل الاقتصادية، لذا وجب طرح التساؤل: "كيف يمكن لمصر إنعاش اقتصادها ؟". تزايد عجز الموازنة: بدأت الحكومة المصرية، على مدى السنوات العشر الماضية، تنفق أكثر بكثير من حجم الضرائب والموارد، وزاد هذا بعد ثورات الربيع العربي والمطالب الفئوية، حتى بلغ العجز في الميزانية الآن إلى 239.9 بليون جنيه مصري (13.8% من الناتج الإجمالي المحلي)، لهذا السبب، يعتبر الإصلاح أمر ضروري وتحتاج الحكومة إلي تخفيض نفقاتها قبل خروج العجز التجاري عن نطاق السيطرة. تراجع مصادر العملة الخارجية: شهد الربيع العربي ترك العديد من المستثمرين البورصة المصرية بسبب الاضطرابات السياسية وعدم ثقتهم في منطقة الشرق الأوسط مما أدى إلى تغيير مستثمرين فوكس لإستراتيجيتهم الاستثمارية، وللتصدي لهذا، كانت هناك زيادة حادة في تحويلات المصريين العاملين في الخارج ولكنها لم تكن كافية ببساطة، وكان لا يزال هناك انخفاضا حادا في الاحتياطيات الأجنبية مما يتطلب المزيد من المساعدات من دول الخليج الأخرى. مثل هذا النقص في العملة جعل من الصعب جدا على مصر استيراد المواد الخام مما أدى لنقص المواد الخام والاضطرابات الجارية الصناعية ومن ثم إلي تباطؤ هائل في الأنشطة الصناعية، والتي بدورها، شهدت ارتفاع البطالة بنسبة 4 ٪، و أصبح مفتاح الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي هو زيادة مصادر العملة الأجنبية. الشفافية : لقد أدى عدم وجود قيادة متماسكة أيضا لعدم وجود الشفافية، و الآن "أكثر من أي وقت مضى" يشعر المصريون أنهم ضحايا للظلم الاجتماعي، ولكن توزيع هذه المظالم بعدالة ستساعد الشعب المصري للتفاعل مع النظام، فستكون كل الفصائل موحدة نحو هدف مشترك مما سيعزز بيئة أفضل بكثير للاقتصاد المصري للتغلب على أزمته الاقتصادية. هناك ثلاث طرق فقط تستطيع مصر من خلالها تصحيح متاعبها الاقتصادية، وهناك العديد من المناطق التي يمكن تحسينها، ومع ذلك، فالآن هو وقت العمل وليس الكلام ويجب على مصر أن تتصرف قبل أن تفقد الدعم من دول الخليج الأخرى.