كسر حاجز الشرعية بكل جوانبه في أعقاب 30 يونيو أدخل مصر في حالة من الارتباك الشديد ، والفوضى المؤسسية ، لأنه لم يعد هناك أي مرجعية للشرعية ذات مصداقية وهيبة يمكن أن يحترمها الأفراد أو المؤسسات ، وبالتالي تجد الكثير من أمور الوطن تدار بالذراع كما يقول العامة ، هي كده وإن كان عاجبك ، وهذا خطير جدا ، وكان ينبغي أن ينتبه إليه جيدا من أطاحوا كل شيء فأهدروا فكرة الشرعية من جذرها ، بعد أن كان المطلب الشعبي هو انتخابات رئاسية جديدة ، وقد وصلت هذه الروح حتى إلى مؤسسة العدالة ذاتها ، المفترض أنها راعية الشرعية والقيم عليها ، فهناك معارك كسر عظم الآن في البيت القضائي ، ومعارك تصفية حسابات وحشية وتستخدم فيها ما يمكن وصفها بالشللية ، وهذا وضع غير مسبوق في تاريخ القضاء المصري ، ولذلك تجد مثلا وزير العدل السابق المستشار أحمد مكي يرفض بإصرار هذا الاستدعاء "الاستعراضي" من قاضي التحقيق في تزوير انتخابات 2005 لكي يمثل أمامه للتحقيق ، وهناك كثير من الجسم القضائي يعتبرون هذا الاستدعاء والإصرار عليه له دوافع سياسية وليست قانونية ، ووصل الأمر بالمستشار أحمد مكي ، نائب رئيس محكمة النقض وأحد شيوخ القضاة ورموز نادي القضاة في أشرف صفحاته ، وصل إلى حد أن يطلب من النائب العام أو قاضي التحقيق أن ينفذ إجراء ضبطه وإحضاره بقوة الشرطة ، ولن يفعلوا ، لأنها ستكون سابقة مروعة وستفتح أبوابا للمرارات ومعارك خطيرة داخل الجسم القضائي ، الأمر نفسه حدث مع قضاء مجلس الدولة ، وهو أحد أجنحة القضاء المصري التي تحتفظ بقدر كبير من شموخها وهيبتها ، حيث تحاول بعض الجهات حاليا سلبه اختصاصات تاريخية منعقدة له ، ووقع على إثر ذلك سجالات إعلامية بين شخصيات قضائية قام على إثرها بعض أعضاء نادي قضاة أحمد الزند باتهام رئيس نادي قضاة مجلس الدولة بإهانته وإهانة القضاء ، وبناء عليه طلب النائب العام من مجلس الدولة رفع الحصانة عن المستشار رئيس النادي للتحقيق معه في الاتهام ، فما كان من المجلس الخاص ، أعلى سلطة إدارية في مجلس الدولة إلا أن انعقد بشكل طارئ ، وأعلن تحديه للنائب العام ورفضه بشكل قاطع رفع الحصانة عن رئيس ناديه ورفضه بشكل قاطع خضوعه للتحقيق ، تلك صدامات غير مسبوقة ، كسر عظم حقيقي بين أجنحة القضاء المصري . على جانب آخر هناك خلاف سياسي شهير بين المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وبين المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة ، لأن جنينه أحد أبرز قضاة الاستقلال الذين تحدوا مبارك في عز جبروته ، بينما كان الزند أحد أبرز المدافعين عن نظامه ، وكان المستشار جنينه قد أصدر تقريرا رسميا من الجهاز يطالب بالتحقيق مع وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد ، لأنه حصل على حوالي مليون وأربعمائة ألف جنيه من الجهاز القومي للاتصالات بصورة غير مشروعة وحصل على أموال من الجهاز وهو وزير للعدل أيضا أيام المجلس العسكري لطنطاوي وعنان ، النائب العام فاجأ الجميع بحفظ التحقيق ووضع ملفات جنينه في سلة "الزبالة" ، دون أن يوضح للرأي العام أي شيء عن هذا الموضوع الخطير ، هل مثلا الجهاز المركزي للمحاسبات قدم بلاغا كاذبا ضد الوزير ، وهو ما يستوجب محاكمة ، هل مثلا الوزير لم يتقاض هذا المبلغ فعلا ، وقد اعترف به ، لا أحد يعرف ، ولا أحد يمكنه أن يسأل النائب العام ، وهو محسوب على جبهة الزند ، لكن الذي حدث أن النائب العام حول المستشار جنينه إلى محكمة الجنايات بتهمة إهانة القضاء !! ، أيضا كان النائب العام الأسبق المستشار عبد المجيد محمود قد اتهم من قبل جهاز الكسب غير المشروع بحصوله على هدايا ضخمة من مؤسسة الأهرام للصحافة ، بدون أي مبرر مشروع ، وبعد أن انتشرت الفضيحة قام عبد المجيد محمود بإعادة هذه الهدايا إلى خزينة الدولة ، وكان عبد المجيد محمود ينظر قضايا ويشرف على تحقيقات لقضايا الأهرام طرف في خصومتها ، فما معنى أن يحصل على هدايا من طرف في خصومات يحقق فيها ، هل لهذا الأمر أي شرح آخر أو تفسير ، وبدلا من أن نجد عبد المجيد محمود في السجن أو على الأقل في بلكونة شقته على المعاش بعد عرضه على الصلاحية ، فوجئنا به رئيسا لمحكمة الاستئناف ، ويوكل إليه الإشراف الكامل على توزيع القضايا على دوائر المحاكم المختلفة ، بحيث يختار القضاة المناسبين للقضايا المناسبة ، كيف يجري هذا ، لا أحد يجيب ، فقط تم تفكيك جهاز الكسب غير المشروع بالكامل ، وطرد كل السادة المستشارين النبلاء الذين كانون يلاحقون الفساد . مصر تعيش حالة فوضى حقيقية ، والشرعية متآكلة ، والانهيار الشامل لا قدر الله هو المصير ، إلا إذا تغمدنا الله برحمته ، وفتح للوطن بابا للإنقاذ .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1