عشرات إن لم يكن مئات من الدعوات اليومية نتلقاها من المتضامنين السوريين والعرب لصالح المدونة السورية طل الملوحي المعتقلة منذ ديسمبر كانون أول العام الماضي، وتحت ضغط التضامن الفيس بوكي والتويتري والذي انتقل إلى الأرض في مصر واليمن وباكستان عبر مظاهرات شعبية عفوية تطالب بالإفراج الفوري عنها، رضخ النظام السوري أخيرا وتفضل علينا بتبيان جريمة طل الملوحي وهي التخابر مع السفارة الأميركية في القاهرة وأدى هذا التخابر بحسب المصادر المجهولة طبعا لكن تسريها مواقع تابعة للنظام أدى ذلك إلى إصابة ضابط سوري بعاهة مستديمة .. هل هذه سورية التي أرادها الذين ناضلوا من أجل استقلالها عشية الاستقلال عن فرنسة، هل هذه سورية التي نحلم بها، هل هذه سورية التي ستكون اقتصادها أقوى اقتصاد في المنطقة عام 2015 كما يحلم نائب رئيس الوزراء السوري للشئون الاقتصادية عبد الله الدردري، هل هذه سورية التي حلم يوما ما مؤسس ماليزيا الحديثة محاضر محمد حين زارها في الستينيات حلم أن تصبح بلاده مثلها .. ما كتبته النيويورك تايمز أخيرا عن تصفح الشباب السوري للفيس البوك الممنوع في سورية، وقدرتهم على كسر حجب المواقع يؤكد على أن ثورة المعلومات لا يمكن أن تحارب بالطرق القديمة والتي عفى عنها الزمن، وبمناسبة الفيس بوك يجدر أن نشير هنا إلى أنه على الرغم من أنه ممنوع في سورية إلا أن الرئيس السوري وحرمه لديهما صفحتيهما الممنوعتين ببحسب قانونهما .. طل الملوحي تلك الشابة التي اختطف السجن من عمرها أحد عشر شهرا تتهم الآن بالخيانة، لا أدري لماذا التأخر في الكشف عن هذه التهمة حتى الآن، فالكل يعرف ويفهم في العالم كله أن هذه التهمة في النظم الاستبدادية الشمولية لا تعني شيئا ، فالحكم هو القاضي وهو المحامي وهو السجان وهو الشرطي وهو كل شيء وما على السجين المسكين إلا أن يوقع عما يريده هؤلاء جميعا .. في بلد تحكمه قوانين استثنائية وقانون طوارئ منذ عام 1963، وفي بلد يتولى رئيسه مجلس القضاء الأعلى، في بلد الحزب هو قائد الدولة والمجتمع في بلد الإعلام كله بأيدي السلطة، في بلد لا أحزاب ولا نشاطات سياسية فيه ، وفي بلد أصدر رئيسه فرمانا يمنع التحقيق مع أي ضابط أمني مهما فعل بضحاياه، يحدث هذا كله في بلدي سورية، فهل يريدنا النظام حينها أن نسكت ونصدق قضاءه المستقل والعادل و النزيه ؟؟!!! إن المؤمل من منظمات حقوق الانسان أن تبحث عن طريقة أخرىلا يسألني عنها أحد _ لا أدري ما هي_ وسيلة غير التنديد ومطالبة الرئيس بشار الأسد بالإفراج الفوري عن زيد وعمرو فمثل هذه البيانات لا تساوي الحبر الذي تكتب به بالنسبة للنظام، بل وتصور وتبرز الرئيس وكأنه الأب العطوف الحريص على الإفراج عن المعتقلين وهو ما لم يحصل أبدا ،والمؤمل أيضا من الحقوقيين والإعلاميين الذين هم عناصر التغيير في عالمنا العربي أن يتقدموا خطوة أخرى ويطالب الصنف الأول بحضور جلسات محاكمات طل والمعتقلين السوريين الآخرين ،أما الإعلام فمهمته أكبر من ذلك كله تتمثل في عكس هموم الضحية وعدم الاكتفاء بمصدر السجان والجلاد، فهناك مصدر الضحية أيضا، وإن لم يحدر مصدرها فليذكر وليبين ذلك لمشاهده وقارئه، فالشعارات الجوفاء لا صوت يعلو على صوت المعركة ينبغي أن تتوقف، وينبغي أن يتوقف معها الممارسة العملية في أن الطريق إلى فلسطين يمر على جثث وآنات وعذابات واضطهادات الشعوب العربية والإسلامية، فالفلسطيني المعذب والمضطهد لن يقبل بأن يضطهد أخاه السوري وغيره على أمل كاذب في أن يتحرر ، والشعوب المضطهدة والأسيرة لن تحرر المضطهدين، إنما يحرر المضطهد والأسير الحر وليس العبد ..