حسنا ما فعله البابا شنودة بتقديمه الاعتذار إلى الشعب المصري عما قاله الأنبا بيشوي ضد القرآن الكريم ، في واقعة غير مسبوقة من قبل قيادة الكنيسة المصرية ، وهو ما أهاج الرأي العام عليه وعلى الكنيسة وعلى البابا نفسه بسبب صمته على ذلك ، لكني أستغرب جدا محاولات البابا التماس الأعذار لبيشوي والدفاع عنه بإلصاق التهم للصحافة المصرية بأنها لا تفهم ما يقال لها وأنها لا تنشر الحقائق وأنها تشوه الحوارات وأنها تلفق الكلام ، وكلام كثير قاله البابا على هذه الشاكلة في حواره مع عبد اللطيف المناوي في التليفزيون الرسمي للدولة ، وهو كلام غير لائق ، وكان يفترض أن تكون معه وقفة من الجماعة الصحفية المصرية ومن نقابة الصحفيين للتعقيب عليه ومعاتبته ، بدلا من الكلام الفارغ الذي يتحدثون فيه عن نقد تغطية الصحف المصرية للأحداث الطائفية الأخيرة ، الصحافة لا تصنع أحداثا ، ولكنها تطلع الرأي العام على الأحداث ، وهذه هي رسالة الصحافة ، ولو فتح الباب أمام كل شخص أو جهة لا يعجبها أن تنشر الصحافة عن أخطائها وانحرافاتها أن تطالب بمنع النشر في هذا الموضوع ، فالأفضل أن تغلق نقابة الصحفيين أبوابها ويتم تسريح الصحفيين للعمل في محلات بيع "الطرشي" ، وأرجو أن يتخيل أحدهم أن لو صدر هذا الكلام من شيخ الأزهر أو من المفتي ، في اتهام للصحافة المصرية بتلك الاتهامات الخطيرة والمحقرة من رسالتها ومن أمانتها ، وتخيلوا كم من المقالات الهائجة التي كنا سنقرأها ضد المفتي وشيخ الأزهر في تلك الحالة ، كما أن كلام البابا غريب جدا ، لأن حوار الأنبا بيشوي مع صحيفة المصري اليوم الذي قال فيه كلمته البشعة التي تقطر طائفية ، أن المسلمين ضيوف رحبنا بهم في بلدنا ولن نسمح لهم بأن يحكموا كنائسنا" هيج الدنيا واستفز الجميع على مدار أسبوع كامل دون أن نسمع من جهة بيشوي أي نفي لهذا الحوار أو لتلك الكلمات ، بل إنه في نهاية الزوبعة حاول "إعادة تفسير" كلامه ، بل إن بعض كبار الكهنة خرج في صحف وفضائيات من أجل أن يدافع عن كلام بيشوي ويقول أنه حقيقة تاريخية فلماذا تعترضون عليها ، وهو ما يؤكد أن الصحيفة نقلت كلامه بأمانة ، وأنه قال هذا الكلام الخطير فعلا ، وبالتالي هو مسؤول عما قاله ، ومن واجب البابا أن يدينه هو لا أن يدين الصحيفة أو يدين الصحافة المصرية كلها هكذا بشكل اعتباطي ، ومؤسف جدا أن يتعلل البابا بأنه لم يلتق بالأنبا بيشوي منذ أسبوع لكي يسأله عن حقيقة الموضوع ، فلا أعرف أن الكنيسة المصرية تحرم استخدام الهواتف الأرضية أو المحمولة لكي يسأل البابا نائبه حتى لو كان بيشوي في القطب الشمالي!! ، إن البابا نفسه مسؤول عن كلام بيشوي ، لأنه لم يبادر بتصحيحه أو الاعتذار عنه في البداية أو حتى نفيه ، رغم أن البابا متابع دقيق للغاية لما تنشره الصحافة ، وخاصة هذه الأيام ، وبعض حواراته تكشف عن قراءة دقيقة لما ننشره نحن في المصريون وغيرنا ، فلا يمكن أن نفترض أن البابا "مش واخد باله" مما حدث من الأنبا بيشوي وردود الفعل ، والأفدح في حواره أول أمس عندما سئل عن سبب امتناعه عن الاعتذار أو تلطيف الأجواء مع المسلمين بكلمة منه ، تعلل بأنه لم يكن يتخيل أن "الزوبعة" ستكون بهذا الحجم ، وهو ما يعني أن المشكلة عنده ليست في "التطاول" على الإسلام وعلى القرآن الذي حدث من الرجل الثاني في الكنيسة ، وإنما المشكلة عنده كانت في "الزوبعة" ، ولو لم يغضب الناس ، وتخرج المظاهرات ، ولو لم يكتب الكتاب غضبا من هذا التطاول ، فإنه لا مشكلة عند البابا ، وستمر الأمور ، وهذا كلام خطير وغير مسؤول ، بل إنه يمنح الشرعية الأخلاقية الكاملة للمظاهرات الغاضبة التي خرجت ضد الكنيسة في الأسابيع الأخيرة ، لأنها هي التي جعلت البابا شنوده "ينتبه" إلى خطورة السلوكيات والتصريحات المستفزة لقيادات الكنيسة ، وهي التي أجبرت البابا على الاعتذار عن أخطاء كهنته تجاه الإسلام والمسلمين ، إن القيادة الدينية المسؤولة هي التي تستشف مواطن الإثارة لشركاء الوطن فتبعد عنها وتلزم رجالها بتحاشيها ، وليس بمثل هذه المراوغات التي تعتمد على "جس نبض" الطرف الآخر ، ومعرفة ردود فعله ، فإن ابتلع الإهانة يمكن أن نكررها ونزيد فيها ، وإن غضب واحتج نرجع خطوة إلى الوراء ، أيضا لم يكن مناسبا من البابا أن ينفي أن تكون هناك مظاهرات تخرج من الكنائس ، ثم يقلل من أهميتها وينفي أن تكون فيها إهانات ، رغم أن الجميع يعرف أن المظاهرات الإسلامية الغاضبة لم تخرج من المساجد إلا بعد سنوات من استمرار التظاهرات الطائفية المستمرة أسبوعيا في الكنائس وفي الكاتدرائية ، منذ واقعة اختفاء "وفاء قسطنطين" وحتى الأسابيع الأخيرة على أي شيء صغير أو كبير ، وما حدث فيها من تطاول وهتافات لا يقولها مصري من الأساس ، لأن فيها استعداء العدو التاريخي لمصر واستغاثة به ، وهو مع الأسف ما لم يدنه البابا شنودة في وقته ، وتجاهله كأنه لم يسمع به ولم يبلغه . [email protected]