طبقوا مقولتهم "نعم للجوع .. لا للركوع" شعب ومواطنون يدعمون الحكومة لرفع الإهانة عن بلادهم! أمر قلما تجد مثيلاً له؛ لكن رحلة البحث عن حياة الآخرين، صورة تتجسد في الشعب الفلسطيني القابع على هامش كبير من الألم والمعاناة، وتحت وطأة حصار غربي، يحاول الضغط على حكومتهم للتخلي عن ثوابت الشعب الفلسطيني. فكما أن هناك أناسا يقدمون أنفسهم رخيصة في سبيل تحرير وطنهم، هناك من يقدم أموراً غالية أخرى على نفسه لوطنه. فهذا مواطن بسيط من بلدة حوارة جنوب نابلس (شمال الضفة الغربية)، لخص تلك الصور بإصرار منه على بيع منزله وتقديمه للحكومة الفلسطينية، ليكون كل ما يملك رخيصا من أجل حياة شعب تكالبت عليه الأمم، وذاك، يستعد للتبرع براتبه الشخصي كما حصل في مديرية أوقاف طولكرم، وفتاة في ريعان شبابها تتبرع بكامل حليها، وآخر يستنكر على المثبطين خوفهم من الجوع في أرض تكفل الله بحمايتها. قصص أعادت الحياة رغم الفقر، مواطنون جلسوا مع ذاكرتهم، وكل أجزائهم وممتلكاتهم. كُثر من وجدوا أنفسهم أمام العديد من الخيارات، أبسطها تقديم مصاغ أو "تحويشة" العمر، لحكومة وجدت نفسها محاصرة بكل الاتجاهات، وبات الكثيرون من المواطنين يبحثون عن أفكار لخطوات مشابهة يقدمونها على أمل أن تنتهي رحلة الألم والمعاناة. المواطن الفلسطيني، الذي أصبح يردد "نعم للجوع ولا للركوع"، يرفض بطبعه الإهانة والإذلال، فأبناء الشعب الفلسطيني، الذين فكروا فاختاروا، كما يرى مراقبون، "حري بهم حماية من اختاروا". وأعرب مواطن فلسطيني عن استعداده لبيع منزله الذي شيده حديثاً في سبيل تقديمه للحكومة الفلسطينية، مؤكداً بأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مقاطعة دولية إهانة للشعب الفلسطيني. وقال المواطن عدنان أبو هنية (48 عاماً) من سكان بلدة حوارة جنوب نابلس إنه لاحظ أن المجتمع الدولي "يوجه أكبر إهانة في تاريخ القضية الفلسطينية إلى الشعب الفلسطيني". مشيراً إلى قرار الإدارة الأمريكية بمنع صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي، يطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، "ألهذا الحد وصل الاستخفاف بالعرب والفلسطينيين؟"، يتساءل بغضب. وأوضح بأنه قضى حوالي ستة أعوام في الادخار من عمله كصاحب مطعم شعبي متواضع في بلدته، حتى تمكن من تشييد منزله الجديد. موضحاً بأنه وعلى خلفية هذه المقاطعة الظالمة للحكومة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيا قل نظيرها في العالم بأسره، فإنه على استعداد لتقديم منزله الجديد إلى هذه الحكومة وأن يجعله تحت تصرف رئيس وزراء فلسطين إسماعيل هنية أو من ينوب عنه، كما أنه مستعد أن يبقى مع أبنائه وأطفاله الستة في منزله القديم الضيق ستة أعوام أخرى على أن لا يشعر بأنه لم يفعل شيئا للمساهمة في الحفاظ على كرامة شعبه. مؤكدا بأنه "لن يموت هو وأطفاله من الجوع إذا ما باع منزله من أجل كرامته وكرامة شعبه". ويتابع أبو هنية: "على الرغم من عدم علاقته بأي حركة أو فصيل سياسي فلسطيني، إلا أنه يشعر بأن عليه دور وواجب شرعي ووطني للمساهمة في دفع هذا الظلم عن الحكومة والشعب الذي اختار تلك الحكومة". مؤكدا بأنه على قناعة بأن هذا الحصار ليس المقصود منه حركة حماس وإنما الشعب الفلسطيني بأسره. وأوضح بأنه يعلم أن منزله لن يقدم أو يؤخر في هذا الموضوع، لكنه على ثقة بأن مبادرته هذه سيكون لها أثر ولو جزئي في توصيل رسالة إلى العالم بأن الإنسان الفلسطيني عزيز وكريم وحر وهو غير مستعد للتنازل عن مبادئه وثوابته حتى لو تعرض للتجويع. مواطنة أخرى؛ فتاة في ريعان شبابها وترتدي النقاب، عرّفت عن نفسها بأنها (ابنة الدعوة) أتت إلى الشيخ عدنان عصفور أحد قيادات حركة "حماس" في نابلس، وأعطته علبة فيها مصاغ ذهبي وأرفقتها برسالة، وطلبت منه إيصال هذا المصاغ والرسالة إلى المسؤولين في الحكومة. وأكدت (ابنة الدعوة) في رسالتها دعمها للحكومة الفلسطينية، وطالبتها بالثبات على مواقفها، وتحمل الأعباء الملقاة على عاتقها رغم كل العقبات. مؤكدة أن هذا كل ما تملكه. وفي تعقيبه على هذا الموقف، قال الشيخ عصفور "إن هذا ليس غريبا على نساء فلسطين اللواتي جدن بفلذات أكبادهن في سبيل الله ومن اجل الدفاع عن الحقوق والثوابت الفلسطينية". مضيفاً بأن "قيمة هذه الحلي لا تكمن في قيمتها المادية، وإنما فيما تحمله من معانٍ سامية ومؤشرات على مدى الاستعداد لدى المواطن الفلسطيني للتضحية في سبيل الحفاظ على المبادئ والثوابت". وأكد أن هذا الموقف من (ابنة الدعوة) وغيره من المواقف المشابهة المشرفة لن تزيد حركة حماس والحكومة الفلسطينية إلا إصرارا فوق إصرارها على المضي في طريقها وقيادة الشعب الفلسطيني نحو العزة الكرامة والتحرير. وفي قصة أخرى، بادرة هي الأولى من نوعها، فقد أصدرت مديرية أوقاف طولكرم مساء السبت (15/4) بيانا أعلنت فيه أن المدير والموظفين تبرعوا براتب شهر آذار (مارس) كاملا للحكومة الفلسطينية، "دعما وإسنادا لها في مواقف العزة والشرف والممانعة لأعداء الأمة والوطن". وقال البيان الذي حمل عنوان "دعم وتأييد لحكومته دولة رئيس الوزراء الرشيد"، وتلقت "قدس برس" نسخة منه "إننا نتقدم بهذه المبادرة تضامنا مع حكومتنا الرشيدة المجاهدة ووقوفها في وجه هذه الهجمة الشرسة الظالمة من دول وحكومات الاستكبار العالمي وأنصارهم من المنافقين، وتأسيا برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي عانى من الحصار هو والمسلمون وأقاربه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، ونصرة لقضيتنا العادلة ولديننا الحنيف". وعقب الشيخ بلال خميس على هذه المبادرة بالقول: "إنها ليست صدقة بل نسجل موقفا نعبر فيه عن مؤازرتنا للحكومة وثباتها في وجه الضغوط الدولية وعدم تنازلها عن ثوابتنا"، على حد تعبيره. وأضاف: "هناك تكالب على الحكومة الشرعية والمنتخبة من الشعب في محاولة لاغتيال اختيار الشعب الفلسطيني، وهذا ما دعانا للوقوف مع هذه الحكومة ضد الهجمة الشرسة، ولأنه لا بد من أن يكون لنا ولكل الأحرار موقف في هذه القضية العادلة".