شكرت فى مقال سابق لى دواب الأرض على حسن صنيعهم معنا حيث من أجلهم أنزل الله الماء من السماء فشربنا معهم و ارتوينا و لو كان الغيث من أجل ابن آدم وحده لمنعه الله عنه لكثرة معاصيه و ظلمه و عدوانه. و اليوم و أنا أشكر الظالمين فى مقالى هذا قد يتعجب بعض الناس من ذلك و نحن ندعو عليهم كل يوم و لكنى أقول لهم صحيح أننا نكره الظلم و الظالمين و نتألم لما يفعلونه بالضعفاء من الناس بل و نتربص بهم عقوبة الله تعالى التى تلحق أهل البغى و العدوان فى الدنيا قبل الأخرة و لكننا فى نفس الوقت نشعر بالكرم العظيم الذى يمنحونه للمظلومين من فيض الحسنات إن كانت لهم حسنات ثم يحملون من سيئات المظلومين على كاهلهم وفاء بما أجرموا حتى يستوفى المظلوم حقه كاملا غير منقوص قال ابن تيمية فى سجنه بالقلعة " لو بذلت ملء هذه القاعة ذهباً ما جزيتهم على ما تسببوا لى فيه من خير" أخى القارئ لقد جاء فى الحديث الشريف [ سيد الشهداء حمزة و رجل قام إلى سلطان جائر فأمره و نهاه فقتله ] فهذا الرجل الذى نهض و نصح السلطان الظالم بالتزام الشرع فأبى و أمر بقتله هو فى مكانة عظيمة إلى جوار سيد الشهداء و هذا لم يكن ليحدث لولا الظالم الذى تسبب له فى هذه الدرجة العالية بعد أن تعدى عليه بالقتل ، و لهذا نجد أن كل من أوذى فى الله يتمنى أن يعود إلى الدنيا و يذوق أصناف الظلم الذى وقع عليه حين يرى الأجر الكبير الذى ينتظره بل إن الشهداء يسألون الله تعالى أن يردهم إلى الدنيا ليقاتلوا ثم يقتلوا فى الله مرة أخرى فيقول الرب تبارك و تعالى كتبت أنكم إليها لا ترجعون .... و هكذا سنجد المظلومين يوم القيامة فى سعادة غامره و كأنهم لم يعيشوا محنة و لم يروا بؤساً قط أما الظالمون فقد أعد الله لهم عذاباً أليماً فى الآخرة قال تعالى ( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا) فلا تحزن يا أخى المظلوم فما ينتظرك من الثواب أعظم و ما ستلقاه من نعيم الآخرة سينسيك مرحلة الظلم العصيبة التى عشتها تبكى و تتألم .... و احمد الله أنك لم تكن مكان الظالم الذى يفقد حسناته و يحمل أوزار من ظلمهم ثم يلقى به فى النار الحامية فى نهاية المطاف . و أنت أيها الظالم العاتى ألم يأت الوقت كى تثوب إلى رشدك و تقلع عن ظلمك و تحفظ حسناتك فلا تفرط فيها بظلمك للعباد ؟ هل أفادك ظلمك لأخيك و عدوانك على الخلق ؟! هلا أقلعت عن تجاوزاتك قبل أن تفقد مقعدك فى الجنة و يأخذه منك المظلوم ؟ قال تعالى ( أفلا يتوبون إلى الله و يستغفرونه و الله غفور رحيم) و هنا لا بد و أن نشير إلى أن الظلم دركات فمن الناس من يظلم نفسه بالتقصير فى طاعة الله و التفريط فى واجباته فيعرضها للعقاب الأخروى و هذا مصيبته أقل من الذى يتعدى بظلم على زوجته أو أولاده أو عدد قليل من الناس أما صاحب الولاية و السلطة الذى يظلم بقرار واحد شعبا بأسره فهو الطاغية الذى ينتظره العقاب الأشد لكثرة المظالم التى فى عنقه مالم يتغمده الله برحمة منه فيفتح له أبواب التوبة فإلى كل طاغية:- أنت بحاجة إلى وقفة مع النفس تراجع فيها ما وقع منك من مظالم فى حق رعيتك و تبادر إلى التوبة و رد المظالم إلى أهلها فذلك أحب إلينا من أن تتمادى فى ظلمك أو أن تسعر بك النار يوم القيامة قال تعالى ( قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)