منذ أسابيع اختتمَ الاتحاد الأفريقي قمتَه الخامسة عشرة في العاصمة الأوغندية كمبالا التي استمرَّت ثلاثة أيام ، وكانت القمَّة قد انطلقتْ تحت عنوان صحة الأمّ والرضيع: الطفولة والتنمية في أفريقيا غير أن مجرياتِ القمَّة وأعمالها انشغلت أكثر بالأزمات المزمِنة في القارة والتي أصبحت تسجِّل حضورًا مستمرًّا على جداول كل القِمَم الأفريقيَّة. في هذا السياق هيمنتْ قضايا الوضع المتأزم في الصومال على الأجواء والحاجة إلى زيادة عدد القوات الأفريقيَّة وتعديل التفويض الممنوح لها, خاصةً بعد التفجير المزدوج الذي قامتْ به حركة الشباب المجاهدين في كمبالا قُبَيل انعقاد القمة بأسبوعين فقط، أما أزمة دارفور التي تشغل في العادة حيزًا كبيرًا من الاهتمام فقد تركّز الجدل حولها هذه المرة في طبيعة الموقف الواجب اتخاذه إزاء مطالبة المحكمة الجنائية الدولية للمرة الثانية بإلقاء القبْض على الرئيس عمر البشير, لا سيَّما بعد أن أضافت المحكمة تُهمَة ثالثة هي الإبادة الجماعية، أما القضيَّة الثالثة التي هيمنتْ على أجواء القمَّة فقد تمثَّلت في النظر في القضيَّة التي ما فتئَ القائد الليبي معمر القذافي في التمسُّك بها, عبْرَ المطالبة المستمرَّة باتخاذ خطوات عملية باتجاه توحيد القارة وإنشاء الولاياتالمتحدة الأفريقيَّة. الأزمة الصوماليَّة ومكافحة الإرهاب أدى التفجير المزدوج الذي قامتْ به حركة شباب المجاهدين الصوماليَّة مستهدفة مواطنين يتابعون نهائي كأس العالم في كُرة القدم عبر شاشات التليفزيون في نادٍ ومقهى في العاصمة الأوغنديَّة, وأدى إلى مقتل نحو 76 شخصًا وإثارة اهتمام واسع النطاق بما يحدث في الصومال, إذ بدا أن الأزمة الصوماليَّة قد بدأت في التحوُّل إلى أزمة إقليميَّة واسعة النطاق, يمكن أن تمثل تهديدًا حقيقيًّا لاستقرار الدول المجاورة للصومال وبخاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا, حيث أعلنتْ حركة الشباب أنها تثأرُ بذلك من الاعتداءات التي تقوم بها القوات الإفريقيَّة الموجودة في الصومال ضدّ المدنيين بشكل شبه يومي, كما هدَّدت بمزيد من الهجمات ضد أوغندا وبوروندي- الدولة الوحيدة المساهمة في قوات أميصوم إلى جانب أوغندا- إذا لم يسحب البلدان قواتهما من الصومال, الأمر الذي ترتَّب عليه احتلال الأزمة الصوماليَّة قمة جدول الأعمال في هذه القمَّة, التي استبقها الرئيس الأوغندي موسيفيني بالمطالبة برفْع القوات الأفريقيَّة في الصومال من 6300 جندي في الوقت الحالي إلى 20 ألف جندي, من أجل السيطرة على الساحة واستئصال الإرهابيين وإعادتهم من حيث أتوا من الشرق الأوسط وآسيا، وكان من الواضح أن نظام موسيفيني يشعر بتهديدٍ حقيقي من هذه الهجمات, حيث أشار رئيس الأركان الأوغندي الجنرال زكاتومباس إلى وجود علاقة تحالف بين خلايا تنظيم القاعدة, وتنظيم الشباب وجماعة القوَّات الديمقراطية المتحالفة التي أعادت تنظيم صفوفها وتقود تمرُّدًا عبر الحدود الأوغنديَّة الكونغوليَّة. وللسبب نفسه شهدت قمة كمبالا حضورًا أمريكيًّا مكثفًا تمثِّل في مشاركة وزير العدل الأمريكي إريك هولدر بالإضافة إلى السفير جوني كارسون مساعد وزيرة الخارجية الأمريكيَّة للشئون الأفريقية والسفير مايكل باتل باتون واشنطن لدى الاتحاد الأفريقي، وقد أوضح كارسون في مؤتمر صحفي عقب القمة أن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لواشنطن في هذه القمَّة كان هو تطورات الأوضاع في الصومال الذي يزداد هشاشةً, ويحتاج اهتمامًا أكبر من المجتمع الدولي, وأن الولاياتالمتحدة تنظر إلى هذه الأزمة من ثلاثة مستويات مختلفة: أنها تعبر عن دولة تفجَّرت من الداخل, وبالكاد تستطيع العمل, وتعاني من أزمة إنسانيَّة بوجود عشرات الآلاف من النازحين في الداخل، وأنها أيضًا مشكلة إقليميَّة, حيث ترسلُ مئات الآلاف من اللاجئين إلى كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وتنزانيا وأوغندا, وأيضًا إلى اليمن (تستقبل كينيا شهريًّا ما بين خمسة وستة آلاف لاجئ) وما يتصاحبُ مع ذلك من ازدياد عمليات التهريب وتجارة السلاح, وأن كل هذه الأمور تقوّض استقرار واقتصادات جيران الصومال الإقليميين. غير أن البُعد الثالث الذي أوْردَه كارسون يمثِّل السبب الأكثر أهميَّة بالنسبة للولايات المتحدة, فالصراعاتُ والحروب الأهليَّة وعدم الاستقرار ظاهرةٌ متفشية في القارة الأفريقية, إلا أن الأزمة الصوماليَّة بدأت في التحوُّل خلال السنوات الأخيرة إلى أزمة ذات أبعاد دوليَّة بعد أن ألحقتْ قدرًا كبيرًا من الاضطرابِ في أعمالِ النقل البحري والتجارة الدوليَّة نتيجة أعمال القرصنة, بالإضافة إلى التهديد الأكثر خطورةً عبر تحوُّل الأراضي الصومالية تدريجيًّا إلى ملاذٍ لتنظيم القاعدة ومقاتليه الذين وفدوا إلى الصومال لدعْم شباب المجاهدين ثم بدءوا من هناك في تطوير أساليب قتاليَّة وأهداف استراتيجيَّة جديدة تتَّفِق مع برامج وأفكار القاعدة عبْر القيام بعمليات خارج الأراضي الصوماليَّة والتواصل مع تنظيم القاعدة في اليمن. في هذا الإطار دَارَ الجدل في القمة حول مسألتين, الأولى هي زيادةُ عدد القوات الأفريقيَّة التي تدعمُ حكومة شريف شيخ أحمد المتداعية منعًا لسقوطِها, وقد استقرَّ الأمْر في نهاية المطاف علي زيادة هذه القوَّة إلى 8100 جندي, والنظر في زيادة هذا الرقم مستقبلًا إلى عشرة آلاف, بعد أن تعهَّدت كلٌّ من غينيا وجيبوتي بإرسال كتيبتَيْن, وأشارت تقارير أخرى إلى أن غانا ونيجيريا والسنغال وزامبيا أرسلت ضباطًا إلى الصومال في مهمَّة لتقصِّي الحقائق تمهيدًا لاتخاذ قرار بالمشاركة, وقد تعهَّدت الولاياتالمتحدة بتقديم الإمدادات لهذه القوَّة الإضافيَّة بالطريقة ذاتها التي تعتمدُها بالنسبة للقوات الموجودة حاليًا. المسألة الثانيةُ التي كانت محورًا رئيسيًّا في المناقشات فهي توسيع نطاق الصلاحيات الممنوحة للقوات الأفريقيَّة, إذ إن مهمتَها الحالية دفاعيَّة ولا تسمحُ لها بالاشتباك مع مقاتلي حركة شباب المجاهدين ما لم تتعرضْ هي للهجوم، غير أن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكيَّة عارضَ هذا التوجُّه, وقال: إن ذلك قد يؤدي إلى ازدياد أعداد القتلى من المدنيِّين, وإن هذا سوف يترتَّب عليه ازديادُ التعبئة ضدّ هذه القوَّات, وازدياد العداء تجاهَها, الأمر الذي عضدَ وجهة النظر المعارضة لتوسيع تفويض القوات الأفريقيَّة, حيث خلا البيانُ الختامي للقمة من الإشارة إلى هذا الأمر. المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة منذ أن بدأ توجيهُ الدعوات لهذه القمَّة, ظهرت بوادر أزمة حادة بين أوغندا والسودان, حيث أشارت أوغندا إلى أنها لن توجهَ الدعوة للبشير, وأنه إذا حضر فإنه قد يُعتقل, الأمر الذي ترتب عليه إعلان السودان مطالبته بنقل القمة من أوغندا, باعتبار أن القمة أمر يخص الاتحاد الأفريقي, وأن أوغندا ليست سوى دولة مضيفة, لا سيَّما وأن الاتحاد الأفريقي له موقفٌ معروف يَقضي بعدم التعاون مع المحكمة الجنائيَّة في اتهاماتِها تجاه البشير, فتراجعتْ أوغندا ووجّهت الدعوة إلى البشير, الذي تجاهلها وقصرَ مشاركة السودان على مندوبِه لدى الاتحاد الأفريقي, غير أن قضيَّة المحكمة الجنائيَّة هي الدولة المضيفة, احتلتْ صدارة الأحداث بسبب إضافة المحكمة لتُهمة ثالثة ضدّ الرئيس البشير بارتكاب أعمال إبادة جماعيَّة في دارفور, وهو الأمر الذي رفضتْه قمَّة تجمع الساحل والصحراء التي انعقدت في تشاد قبل أيام قليلة من قمَّة الاتحاد الأفريقي, حيث كان أبرز ما نتَجَ عنها هو تجاهل تشاد العضو في ميثاق روما لالتزاماتِها تجاه المحكمة. وقد كانتْ مسوّدة القرار المعروض على قمة الاتحاد الأفريقي تحتوي على تأكيد موقف الاتحاد الأفريقي بعدم التعاون مع المحكمة مع توجيهِ اللَّوْم إلى المدعي العام أوكامبو والتنديد بتصرفاتِه تجاه هذه القضية بالتحديد مع الإشارة إليه بالاسم, بالإضافة إلى رَفْض طلب المحكمة الجنائيَّة بإنْشاء مكتب لها لدى الاتحاد الأفريقي يكون مقرّه في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث مقرّ الاتحاد، وقد انتهت المفاوضاتُ في هذا الشأن إلى إقرار الصيغة المعروضة بعد حذْف الإشارة إلى المدعي العام أوكامبو, والطلب إلى الدول الأفريقيَّة (هناك 30 دولة أفريقيَّة أعضاء في ميثاق روما) تغليب التزاماتِهم إزاء الاتحاد الأفريقي على التزاماتِهم إزاء المحكمة الجنائية الدولية, قدْرَ الإمكان. الزعيم الليبي دَأبَ الزعيم الليبي في السنوات الأخيرة على طرْح مشروعِه الخاص بتحويل مفوضيَّة الاتحاد الأفريقي إلى سلطة الاتحاد الأفريقي على كلّ القِمَم التي يعقدُها الاتحاد الأفريقي, كتمهيدٍ لإنشاء الولاياتالمتحدة الأفريقيَّة, حيث يرى القذَّافي أن أوضاع القارَّة الأفريقيَّة تعاني من التردِّي, وأنها تعيش في حالة من البُؤْس والمرَض والجهل وعدم الوحدة والكرامة, وأنها أضاعَت الوقت دون فائدة بسببِ قصْر الوعيِ السياسي وضعْف الإرادة والاعتماد على المِنَح الخارجيَّة, رغم ما تتمتَّع به من خيراتٍ وثروات دون الاكتراثِ بالتحوُّل السريع في العالم, ويستبعدُ الزعيم الليبي أن تنجح أفريقيا في تجاوز محنتِها أو أن تخطوَ خطوةً تجاهَ بوابَة التقدُّم في الوقتِ القريب ما لم تتوحَّد في كلمتِها, وحذّر إن لم يحدثْ ذلك فإن القوى العظمى ستعيدُ استعمارَها وهيمنتها علينا بالقوة أو الاستغلال الاقتصادي، وقد أعلن الرئيس السنغالي عبد الله واد أن الزعيمَ الليبي معمر القذافي وضع تسعين بليون دولار تحت تصرُّف أفريقيا, خلال المناقشات حَوْل الولاياتالمتحدة الأفريقية أثناء قمَّة دول الساحل والصحراء المنعقدَة في إنجامينا, والتي وردَ في بيانها الختامي نوعٌ من الانتقاد للاتحاد الأفريقي, مع دعوتِه إلى اعتماد هيكليَّة أكثر قوَّة وأفضل تنظيما وبصلاحيات أوسع, حيث أنه (الاتحاد الأفريقي) لم يحرزْ أيَّ تقدُّم في العمل السياسي والمؤسساتي للاتحاد الأفريقي بسبب الخلافات والانقسامات، ومن ثَمَّ أوضح بيانٌ الساحل والصحراء أن جميع الدول الأفريقية مدعوَّة لكي تحترمَ التزاماتها وتعمل على تشكيل حكومة للاتحاد الأفريقي. ورغم عدم تبنِّي قمة كمبالا لأي خطوة عمليَّة تجاه مشروع الولاياتالمتحدة الأفريقية بسبب الانقسامات الكبيرة بين الأعضاء حَوْل الإمكانيَّة العمليَّة لتطبيق المشروع في الوَقْت الحالي, فقد أشارَ العقيد القذافي إلى أنه راضٍ عن أفريقيا بعدما أصبحتْ ماضيةً في طريقها التاريخي الصحيح, مؤكدًا أن هذه القارة ستصبحُ في يوم من الأيام مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تمامًا. المصدر: الاسلام اليوم