بشكلٍ غير مسبوق.. رصدت صحيفة الهيرالد تريبيون وجود اتجاهٍ قويّ لدى الشركات الغربيَّة للاهتمام بالمسلمين كمستهلكين، حيث تنبَّهت هذه الشركات إلى قوَّة أسواق المسلمين بالنسبة لأعمالِها. وكَشَفت الصحيفة عن أوَّل إعلان من نوعِه، حيث توجَّهت شركة يونيليفر إلى السيدات المحجبات لتعلن بداية غزْو جديد للأسواق الاستهلاكيَّة في العالم الإسلامي. فلعقود طويلة فشلت الشركات الغربيَّة في تقدير احتياجاتِ المستهلكين المسلمين، بل وتعاملتْ بعض الشركات معهم بشكلٍ عدائي بعدم مراعاتها لمشاعرهم ومقدساتهم الدينية، ولكن في ضوء تنامي عدد ونفوذ سكان العالم الإسلامي، حيث يبلغ 1.57 مليار شخص، تسعى شركات متعدِّدة الجنسيات إلى اقتحام هذا السوق الضخم مباشَرة بصورة غير مسبوقة وبدلا من استيراد السلع وإعلاناتها من الدول الغربيَّة تعمل الشركات على تطوير حملاتِها الدعائيَّة وتطوير السلع ذاتها بما يتناسب مع احتياجات وأذواق المسلمين. ويرى بعضُ الخبراء أن التسويق الإسلامي هو أهمّ تطوُّر في مجتمع الأعمال خلال الفترة القادمة، وهناك بالفعل نشاط واضح هذه الأيام في هذا المجال مع حلول شهر رمضان المعظم. ويقول أستاذ في جامعة أوكسفورد: إنه خلال السنوات القليلة الماضية كانت أهمّ الأسواق الاستهلاكيَّة في العالم هي الصين والهند، ولكن في السنوات القادمة ستكون أسواق العالم الإسلامي التي لم يتمّ التعامل معها بشكلٍ سليم بعد، بالرغم مما تمثِّلُه من فرص واعدة للشركات. ولكن التوجُّه إلى المسلمين كمستهلكين أمرٌ معقَّد بعض الشيء؛ فالدول ذات أغلبيَّة مسلمة تنتشرُ من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا، ويتحدث سكانها عدة لغات كما تتفاوت مستويات أزيائهم وعاداتهم، وهو ما يعني أن الشركات الغربيَّة تخاطبُ أذواق واحتياجات مختلفة للمستهلكين المسلمين غير أن جميع مبادئ التسويق تقول: إن القاعدة الأولى هي تجنُّب الإساءة للمستهلك مثلما حدث من قبل شركة نايك التي اقترفت خطأ تاريخيًّا عام 1996 بإنتاجِها لحذاء رياضي يحمل شعارًا يمثِّل لفظ الجلالة باللغة الغربية، وهو ما اعتبرَه المسلمون إهانة شديدة مما دفع الشركة لسحب 800 ألف حذاء من الأسواق. وهذه الواقعةُ كانت صحوةً مهمَّة للشركات الغربيَّة ونقطة تحوُّل بالنسبة للمدافعين عن المسلمين الذين أدركوا حجم وقوة نفوذهم الاقتصادي والاجتماعي في الأسواق. وبالفعل طرحتْ مؤخرًا شركة يونيليفر نوعًا من الشامبو خاص بالسيدات اللاتي يُعانين من الشعر الدهني بسبب غطاء الرأس، سواء كان حجابًا أو قُبَّعة بيسبول، وذلك بعدما أظهرتْ بحوث ميدانيَّة للشركة شكوى كثير من السيدات المحجَّبَات من ذلك. وجاء الإعلانُ التليفزيوني مخاطبًا المستهلكات المسلمات، وظهرتْ فيه فتاة محجَّبَة, وتزعم شركة كولجيت- بالموليف, على سبيل المثال بأنها كانت أوَّل شركة عالميَّة تحصل على شهادة موثَّقة من ماليزيا بأن منتجاتِها من معجون الأسنان حلال، حيث تحتوي بعض الأنواع على كحول ومنتجات الشركة عليها الآن لوجو حلال، والذي يظهرُ من إعلاناتها التليفزيونيَّة. شركاتُ المحمول أيضًا أنتجتْ تليفونات محمولة تحتوي على تسجيلاتٍ قرآنيَّة وبها خاصية الأذان، وكان لشركة نوكيا مجهودات بارزة لاستمالة المسلمين منذ عام 2007 عندما أنتجتْ موديلات خاصَّة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحسب دراسة أُجريت عن المستهلكين المسلمين في ماليزيا ومصر وباكستان والسعودية, فإن نوكيا هي أفضل علامة تجاريَّة حيث يرى المستهلكُ المسلم في هذه الدول أن نوكيا لديها قيمٌ إسلاميَّة وتوفِّر منتجات تناسب احتياجاتِه. وتهتمُّ صناعة التسويق والأكاديميين باستطلاع آراء المستهلكين المسلمين، حتى أن مؤتمرًا دوليًّا عن التسويق الإسلامي في أكسفورد خلال شهر يوليو قد استقطب 200 شخص من دول غربيَّة وإسلاميَّة، والآن هناك مشروعٌ بحثيّ كبير لكليَّة الأعمال في أكسفورد عن هذا الموضوع لخدمة الشركات الراغِبة في التوسُّع في أسواق المسلمين. وأطلقتْ شركة أجنبيَّة مؤخرًا مؤشر نور، وهو أوَّل مؤشر في العالم لقياس مدى إقبال المسلمين على منتَج معيَّن في آسيا, والشرق الأوسط, وأوروبا, وشمال إفريقيا، ويعتمد المؤشر على قياس مدى توافق أكثر من 30 علامة تجاريَّة شهيرة مع الشريعة الإسلاميَّة، وفي مقدِّمة القائمة شاي ليبتون يليها نستلة, التي كانت أول شركة متعدِّدة الجنسيات تقتحمُ سوق الحلال والمقدر بنحو 2.1 تريليون دولار, وحسبما يقولُ مدير الشركة في ماليزيا فإن 85% من مصانع الشركة البالغ عددها 456 مصنعًا في أنحاء العالم قد حصلوا على شهادة حلال. والأمرُ المثيرُ للدهشة أن تأتيَ شركة طيران الإمارات في المركز 27 بين 35 شركة شَملها المؤشر، ولكن ذلك يرجع إلى قيامها بتقديم الخمور, وهو ما تقوم به جميع شركات الطيران، لكنَّه لا يوافق الشريعة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى سعْي الشركة لتأكيد أنها شركة عالميَّة من خلال تنويع قوَّة العمل بها والاستعانة بغير المسلمين، وهو ما جعل المسلمين في النهاية ينظرون إليها على أنها ليست علامةً تجاريَّة إسلاميَّة. هذا في حين بدأت شركات العلامات التجاريَّة في الدول الإسلامية في استخدام أساليب تسويقيَّة مبتكرَة لمنافسة الشركات الغربيَّة على أراضيها مثل استخدام صور إسلامية في إعلاناتها, وعلى سبيل المثال شركة أولبرز، وهي شركة ألبان باكستانيَّة قد بدأتْ تنافس نستلة منذ عام 2006 وإعلاناتها في رمضان عامي 2008 و2009 ركَّزت على أنها شركة إسلاميَّة. ومعظمُ الإعلانات تظهر المسلمين وهم يصلون في المساجد, يعملون في دول مثل تركيا, وباكستان, والمغرب, ويقومون بأعمال خيرية لمساعدة كبار السن, وتستهدف هذه الإعلانات إظهار المسلمين كأمة واحدة وتذكرهم بهويتهم الإسلاميَّة، كما تركز على رسالة السلام, وتواصل الشركات الغربية دراساتها الميدانيَّة للتعرف أكثر على المسلمين عن قُرب وتقدير احتياجاتِهم. المصدر: الاسلام اليوم