الفاسدون الذين كشف عنهم تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يحاولون إثارة غبار سياسي كثيف حول الفضيحة من أجل ستر معالمها أو تضليل الرأي العام عنها ، ويحاولون تفجير قنابل دخان لتعتيم الرؤية وصرف الأنظار عن حقيقة أننا أمام حالة فساد مالي ، ومن ذلك الغبار محاولات شخصنة المسألة ، وكأنها موقف شخصي من المستشار هشام جنينة مع وزير العدل ، يعني اثنين زملاء سابقين بينهم خناقة ، ولا يذكر هؤلاء أن جنينة الذي دخل الجهاز قبل حوالي سنة واحدة ، لا علم له مسبقا بأي تفاصيل جاءت في تقارير الجهاز ، وأن دوره ينحصر في إبلاغ الجهات المختصة بما كشف عنه عمل عشرات الآلاف من الباحثين والخبراء العاملين في الجهاز ، والذين يعكفون على دراسة ميزانيات المؤسسات المختلفة لإعداد التقارير عن أي انحرافات أو أخطاء لتصحيحها أو محاكمة أصحابها إن كان فيها إهدار عمدي للمال العام أو شبهة فساد ، والمستشار هشام جنينة قال أنه قدم آلاف التقارير للنائب العام ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية عن الفساد المالي في مؤسسات رسمية عديدة في الدولة ، وليس في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وحده ، فهل يعقل أن جنينة خلال عام واحد راح يدرس وينقب ويحلل بشخصه ميزانيات هذه الآلاف من المؤسسات لكي يصطاد الفاسدين فيها ، تصور ذلك عبث وجنون ، وبالتالي فالتقرير الرسمي الذي كشف فساد وزير العدل ومعه بعض الإعلاميين ومسؤولين آخرين ، لم يكتبه هشام جنينة ولا كان له أي علم بتفاصيله ، وإنما هو حصاد دراسة علمية ومالية قام بها فريق عمل من عشرات الباحثين من بين آلاف الباحثين والخبراء العاملين في الجهاز ، وبالتالي فمحاولة شخصنة الأزمة بأنها خلاف بين جنينه ووزير العدل هي جريمة تضليل للعدالة ليس أكثر ، أيضا التلويح الذي قاله مساعد وزير العدل بأن جنينة ينتمي إلى الإخوان وتيار الاستقلال القضائي ، وكذلك ما فعله نادي القضاة بالتلميح لذلك هو محاولة تضليل للعدالة أيضا ، لأن هشام جنينة لا صلة له نهائيا بالإخوان المسلمين إلا كصلة باراك أوباما بهم ، وجميع القضاة يعرفون ذلك ، بل إن الرجل له مواقف نقدية ضد الإخوان وضد مرسي نفسه ، ولكن في إطار حالة التهييج والخبل الإعلامي والسياسي التي تتفشى في مصر حاليا ، جعلوا الرئيس الأمريكي باراك أوباما عضوا في التنظيم الدولي للإخوان وأنه بايع المرشد العام في باكستان ، وجعلوا من شقيق أوباما مسؤول الشؤون الاقتصادية في التنظيم الدولي للإخوان وجعلوا أبرز أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين السيناتور "جون ماكين" شريكا لنائب المرشد العام في تجارة السلاح ، وجعلوا منسقة الاتحاد الأوربي لشؤون الأمن "آشتون" عضوا في جماعة الإخوان وطالبوا بضبطها وإحضارها أمام النيابة المصرية للتحقيق معها في علاقتها بالتنظيم الإرهابي ، هذا الخبلان السياسي والإعلامي الذي لم أر له مثيلا في مصر منذ ولدت ، من الطبيعي أن يجعل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عضوا في التنظيم الإخواني . غير أن هذا "الخبلان" له فوائده بكل تأكيد ، لأنه يكشف كيف تدار الدولة الآن وفي أكثر سلطاتها حساسية ، السلطة القضائية ، لأن مساعد وزير العدل ونادي القضاة أيضا قالوا أن كشف جنينة عن فساد وزير العدل أتى ردا على ما قام به الوزير من تطهير الوزارة من القضاة المحسوبين على تيار الاستقلال ، وهو ما يعني بدون حاجة لكثير تفكير أن الوزارة مارست الفرز السياسي للقضاة ، فأبقت على الموالين للسلطة الجديدة واستبعدت المعارضين لها أو المستقلين ، وكفى بهذا الاعتراف إعلانا للفساد العريض الذي تدار به شؤون العدالة في مصر .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1