السياسة عمل جماعي ينتظمه فكر واحد وآراء متعددة. العملية السياسية حركة دائبة تتماوج مع أحداث المجتمع وتتأثر بمحيطه. لا ثبات في العمل السياسي. اليوم موقف وغداً نقيضه. الآن تحالف وبعده قطيعة. الثبات صفة مميتة لتطور العمل السياسي. والذين ثبتوا ماتوا وتحجّروا وصاروا تماثيل في متاحف التاريخ. خذ الأمثلة التالية، النازية في ألمانيا، البلشفية الشيوعية في روسيا، أنظمة الانقلابات الديكتاتورية العربية الخ. لِمَ هذه المقدمة الفلسفية؟ السبب، هو ترويج معلومة خاطئة تتبناها أقلام في صحافة البحرين تُشيع بأن مبدأ التكتل السياسي فشل في تجربة البحرين، ولابد من الاعتماد على المستقلين وإدخال رجال الأعمال. وفي هذا تهديد واضح وجدي للعملية الديمقراطية الوليدة في البحرين. تجارب الدول المتقدمة تؤكد ألا نجاح للعمل السياسي إلا بتواجد تكتلات سياسية يجتمع عليها الناس لتنظيم أمور حياتهم. وتحقيق أكبر قدر من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. في الولاياتالمتحدة هناك الحزبان الجمهوري والديمقرطي. وفي بريطانيا هناك العمال والمحافظون والديمقراطيون الأحرار. وفي فرنسا 23 حزبا سياسياً منها الحزب الاشتراكي والجبهة الوطنية والاتحاد من أجل الديمقراطية... وغيرهم. وفي ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وروسيا الشئ نفسه. العمل السياسي لا يمكن أن يحقق أهدافه بعمل مستقل أو فردي. المشهد السياسي في البحرين يؤكد ما نقوله. انتظام العمل السياسي في شكل جمعيات سياسية أعطى للتجربة صفة النضوج المبكر. والذين دخلوا مستقلين في تجربتي 2002 و2006 لم يحالفهم الحظ بالفوز إلا قليل. وحتى النواب المستقلون كونوا لهم "كتلة المستقلين" لضمان نجاح أدائهم السياسي. والذي عمل مفرداً لوحده جاءت أعماله ضعيفة وضئيلة، وليست بذات قيمة أمام العمل الجماعي الحزبي المنظم الذي أدته الكتل السياسية الأخرى (المنبر "الأخوان المسلمون" والأصالة "سلفيون" والوفاق "شيعة اثنا عشرية"). نعم نحن مع الانتقاد الموجه القائل بأن النائب في البرلمان يضيع صوته وسط الكتلة، وهذا صحيح. لكن هذا النائب قوي بكتلته التي تحقق مطالبه والتي هي أصلا مطالب للشعب. نحن مع القول الذي يُردد بأن أداء الكتلة الفلانية كان ضعيفاً أو باهتاً في الفصل التشريعي المنصرم. وهذا ربما صحيح. لكن ربما كان أداء الكتلة ضعيفاً في هذا الملف قوياً ظاهراً في ملف آخر وهكذا. ولا نفشي سراً عندما نقول بأن مرشحين مستقلين يعدون أنفسهم للترشح لانتخابات أكتوبر 2010 طلبوا وبشكل مباشر دعماً من الكتل السياسية القائمة، إيماناً بمبدأ الجماعية وبحتمية التكتل في العمل السياسي. سنكون أكثر صراحة بالقول بأن محاولة الإعلام المحلي في البحرين ودوائر سياسية دعم أفراد المستقلين فيه تمييع واضح لدور برلمان 2010 . حدوث أغلبية في مجلس النواب من المستقلين سيسهل على الحكومة الاستفراد بهم لتمرير القوانين وسن تشريعات ربما لا تلبي مطالب المواطنين. وهذا وضع فيه تهديد واضح لأصل العملية الانتخابية. وربما هو تهديد للمشروع الإصلاحي الداعي لمشاركة سياسية واعية. * أستاذ الإعلام بجامعة البحرين