فى بلد مثل مصر عانى لعقود طويلة جداَ من انتهاكات لحقوق الإنسان وكبت للحريات وتكميم للأفواه وإغلاق للصحف ، وممارسات شرطية وحشية ، وتعذيب فى السجون والأقسام، واستبداد للسلطة ، وتزوير للإنتحابات على جميع الأصعدة. فى بلد مثل مصر يقع أكثر من 20% من سكانه تحت خط الفقر،ويعانى حوالى 40% من سكانه من الأمية ، ويعيش حوالى 15 مليون نسمة فى المناطق العشوائية بالقاهرة والمحافظات. فى بلد مثل مصر شهدت قيام ثورتين فى أقل من 3 سنوات يٌعرفا بأنهما ثورتان لحقوق الإنسان لأنهما قامتا ضد الفاشية بجميع أشكالها وضد الظلم والفساد والإستبداد والتمكين لفصيل محدد واستبعاد باقى الفصائل. فى مثل هذه الظروف غير الإنسانية بالمرة والتى لا تمت بصلة لحقوق الإنسان أو لأى ميثاق دولى لحقوق الإنسان وقعت عليه مصر، كان جيد جداَ أن نسمع عن موافقة الحكومة المصرية النهائية علي استضافة مصر للمكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في القاهرة لتمتد اختصاصاته ايضاَ ليشمل دول شمال افريقيا. الحديث عن انشاء المكتب الإقليمى للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بمصر بدأ فى عام 2007 عندما حصلت مصر على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى نفس العام متعهدةَ بالقيام بعدة اجراءات وخطوات فى سبيل تعزيز وحماية حقوق الإنسان ومنها بالطبع استضافة المكتب الإقليمى للمفوضية السامية لحقوق الإنسان لشمال افريقيا. الا أن الحكومة المصرية- وللأسف الشديد- تنصلت من تعهداتها أثناء المراجعة الدورية الشاملة لها فى عام 2010 ورفضت التوصية بإستضافة المكتب الإقليمى للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بمصر رفضاَ تاماَ. وبعد قيام ثورة 25 يناير تجدد الأمل مرة أخرى فى استضافة مصر للمكتب الإقليمى ، وبالفعل دارت مفاوضات طويلة وشاقة على مدار ثلاث سنوات انتهت بموافقة الحكومة المصرية أخيراَ على استضافة المكتب. لقد انحازت الحكومة المصرية الى حقوق الإنسان ، وبجعل مصر رائدة فى هذا المجال بين دول الشرق الأوسط لاسيما دول شمال افريقيا. الموافقة على استضافة المكتب الإقليمى لأكبر جهة معنية بحقوق الإنسان فى العالم تبعث برسائل ايجابية للغاية للمجتمع الدولى مفادها أن مصر حريصة على احترام حقوق الإنسان وتعزيزها على مختلف الأصعدة، وأنها فى طريقها نحو التحول الى مجتمع ديمقراطى يتمتع فيه كل مواطن بكافة حقوقه وبكامل حرياته بعد أن حرم منها على مدار عقود طويلة. وحتى إذا استمر حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان فى مصر - وهذا أمر وارد جداَ فى أى دولة فى العالم – فإن مجرد التفكير والموافقة على التواجد الحقوقى الأممى على أرض مصر هو أمر يستحق الثناء والتقدير. على أن الأمر يجب ألا يتوقف عند مجرد هذه الخطوة الجيدة ، فلابد أن تتبعها خطوات أخرى تؤكد احترام الدولة المصرية لحقوق الإنسان ومن أهمها على الإطلاق: اعداد دستور توافقى جيد يدعم الحقوق والحريات ويقضى على التفرقة تماماً بين المصريين على أساس الجنس أو اللون أو الديانة أو العرق..الخ ، ويتبعه اصدار مجموعة من القوانين المكملة له ، والقضاء نهائياَ على القوانين سيئة السمعة التى صدرت منذ سنوات و كان هدفها تقييد الحريات وتكبيل الحقوق، بالإضافة الى ضرورة مصادقة مصر على جميع الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، وسحب التحفظات التى أبدتها على الإتفاقيات الأخرى، والتعاون مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بدعوة المقررين الخواص لزيارتها( لم تستجب مصر للطلبات المتكررة من المقرر الخاص بشأن التعذيب بالحصول على دعوة لزيارة البلاد منذ عام 1996)، وعدم التأخر فى تقديم التقارير الدورية الى لجان وهيئات حقوق الإنسان التابعة للامم المتحدة. لقد ولى زمان انغلاق الدول على أنفسها، ولم تعد قضية حقوق الإنسان أمر داخلى أو شأن داخلى، فحقوق الإنسان الآن هى قضية دولية ، وفى عالمنا المعاصر يقاس مدى تحضر الأمم بمدى احترام حقوق الإنسان لديها وبمدى تمتع كل مواطن بحقوقه وحرياته،ومصر دولة رائدة دائماَ أنهكتها وكبلتها سنوات الإستبداد والعزلة، وهاهى تعود من جديد ، ونريد لها نحن المصريون عودة محمودة قائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.