يختلف استعداد الناس في استقبال رمضان بحسب اختلاف فهومهم ومشاربهم ؛ فنرى من يؤمن بالله واليوم الآخر ينتظر هذا الشهر المعظم ، راجيًا خائفًا ، عازمًا على الصيام والقيام إيمانا واحتسابًا ، مصممًا على أن يجعل رمضانه هذا أفضل من الرمضانات السابقة ، قاصدًا أن يكون نهاره وليله لله تعالى ، ما بين صيام ، وذكر ، وتلاوة ، ودعاء ،وحضور مجالس علم ، وصلة رحم ، ومساعدة مساكين ، وبر والدين ، ومعاونة أهل ، وتربية أولاد ؛ وقيام ليل واستغفار بسحر مع آناء النهار ..و..و. ؛ سيقول البعض : رويدك يا شيخ ! وهل يتسع الليل والنهار لعمل كل ذلك ؟ أقول : الموفق من يوفقه الله تعالى ؛ ويبقى ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا " ؛ وإذا كان الليل والنهار لا يتسع لأداء كل الواجبات ، فما لا يدرك كله لا يترك جله ؛ وإذا كان ذلك كذلك فهل يتسع الوقت لغير ما ذكرنا ؟ فهذا صنف من الناس وفق وسُدد ، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم . وهناك فريق من الناس يحلو له أن يتهيأ لرمضان بملء مخازن الطعام بأشكال وألوان ، وسؤالنا لهؤلاء : هل رمضان شهر صيام أم شهر طعام ؟! ويبالغ آخرون في أن يعد لليل رمضان سهرات في لعب ولهو ، وبعض ذلك فيما حرم الله تعالى يقينًا ! فمتى يُغفر ذنب هذا إن لم يتعرض لمغفرة ربه بالتوبة النصوح وصيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا ؟! وفريق آخر من الناس - وهم من يصدق عليهم أنهم شياطين الإنس - قد عقد معهم الشيطان صفقات لإفساد رمضان على أهله ؛ قد جعلوا في نهار رمضان وليله من ألوان الترفيه المحرم ، ما يفسد على الناس صيامهم وقيامهم . وقد يسأل سائل : أيمتنع في رمضان مباشرة المباح من المطعومات والمشروبات وألوان من الرياضات ؟ والإجابة : لا يمتنع ذلك ، شريطة أن لا يضيع الإنسان فيها وقته ، فينشغل بها عن التزود لمغفرة ذنبه ، فقد رأينا أناسًا لم يتغير في رمضان عندهم إلا مواعيد الطعام ، حتى إنهم لا ينسون أن يجعلوا لأنفسهم وجبة بين الفطور والسحور يسمونها العشاء، فياللعجب ! إنه قدَّم إفطاره إلى ما قبل الفجر، وأخر غداءه إلى بعد غروب الشمس، ثم لم ينس أن يتعشى قبل أن ينام ! وليس في ذهن هؤلاء التزود من رمضان بزاد التقوى، فإياك ثم إياك أن تكون من هؤلاء ؛ قال ربنا جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ البقرة : 183 ] . ورأينا أناسًا لا همَّ لهم بعد الإفطار من الصيام إلا التهيؤ للعبة أو مشاهدة معصية عياذًا بالله تعالى ؛ فحذار حذار أن تكون من هؤلاء . عجيب أمر بعض الناس: السنة كلها لعب ولهو وأكل وشرب ، ثم في رمضان لا يتغير من أحوالهم شيء !! أيها الناس: لا تجعلوا يوم صومكم كيوم فطركم ؛ من رُحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حُرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم ؛ ولله در القائل: أتى رمضان مزرعة العباد فأد حقوقه قولا وفعلا فمن زرع الحبوب وما لتطهير القلوب من الفساد وزادك فاتخذه للمعاد سقاها تأوه نادما يوم الحصاد رمضان محطة تزود في رحلة الإنسان إلى الآخرة ؛ وشأن محطات التزود أن تمد طالبها بما يعينه على الطريق ؛ وهل يعينك أيها العاقل في هذا الطريق إلا تقوى الله تعالى ؛ قال الله سبحانه : وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [ البقرة : 197 ] . روى الجماعة عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللهُ عز وجل : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلا يَسْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " . هكذا – أيها القراء الكرام – يكون الصائم؛ إنه متعلق بثواب الله تعالى له ، ويُكسبه صومه وقاية حتى من الرد على من يسبه أو يريد الشجار معه ؛ كما يمنعه من فحش الكلام والصخب الذي يزعج الآخرين ويذهب وقار الإنسان.. إنه صائم ، فلابد أن يكون خلقه خلق الربانيين الملتزمين أوامر الله المنتهين عن نواهيه ، المتخلقين بما أمر من أخلاق. فأعدو أنفسكم واستقبلوا شهر رمضان بنفوس مهيئة لذلك . ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن ، ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان . من يُرد ملك الجنان فليدع عنه التواني وليقم في ظلمة اللي ل إلى نور القرآن وليصل صومًا بصوم إن هذا العيش فاني إنما العيش جوار الل ه في دار الأمان وفقنا الله والمسلمين لما يحبه ويرضاه ، وثبتنا عليه .... آمين .