تعرض قصر ومكتبة الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في "برقاش" بالجيزة للحرق والسرقة خلال الفض الدامي لاعتصامي رابعة والنهضة 14 أغسطس الماضي ضمن أحداث عنف واسعة شهدتها مصر في هذا اليوم شملت اعتداءات وإشعال النيران بمراكز شرطة ودور عبادة ومتاحف ومنشآت عامة وخاصة. خلال ال 36 ساعة الأخيرة كانت هناك عدة محطات لافتة للانتباه بشأن تلك الجريمة تحتاج للرصد لأهميتها وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج. المحطة الأولى : مساء الخميس 12 سبتمبر الجاري أطل هيكل مجددًا مع لميس الحديدي على "سي بي سي" في حوار كانت بدايته حول مكتبته حيث اتهم الإخوان بارتكاب الجريمة وشرح أن الأوامر صدرت بتنفيذها من خلية في رابعة العدوية إلى خلية إمبابة التي شكلت مجموعة الاقتحام والحرق. المحطة الثانية: صباح الجمعة وبعد ساعات قليلة من بثّ الحوار خرجت أخبار من نيابة الجيزة بأنه تجري تحقيقات مع المتهم بالجريمة وهو قهوجي مسجل خطر يدعى عبد الرازق جمال عبد الجليل ومقيم في نكلا بمركز منشأة القناطر، وفي التحقيقات أنه قام بالاشتراك مع شخص آخر بإضرام النيران بنقطة شرطة المنصورية وسرقة محتوياتها، وكذلك سرقة محتويات فيلا هيكل. ألاحظ هنا أن المتهم تم القبض عليه وأجريت التحقيقات معه قبل إذاعة الحوار دون أن يتم النشر عن ذلك، فهل جاء إعلان خبر التحقيقات ردًا على الحوار وطمأنة هيكل والرأي العام بأن الشرطة يقظة، وبالتبعية هل تم القبض على المتهمين وجارٍ التحقيق معهم في الحوادث الأخرى دون الإعلان عن ذلك أيضًا، وما السبب لو كان الأمر صحيحًا؟!. ألاحظ أيضًا أن المتهم يقيم في نفس المنطقة التي يقع فيها قصر هيكل ونقطة الشرطة ولم يأتِ من خارجها وهو ما يسهل له تنفيذ الجريمة والهرب لأنه مطلع على مداخلها ومخارجها جيدًا. المحطة الثالثة: في اليوم التالي السبت نشرت "المصري اليوم" قرار النيابة بحبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات وأوردت في نتائج التحقيقات معلومات لافتة هي: 1- أن المتهم نفى علاقته بجماعة الإخوان، أو تلقيه أوامر من كوادرها لتنفيذ الحادث. 2 - أن النيابة طلبت ضبط وإحضار 5 متهمين آخرين قالت التحقيقات إنهم ينتمون إلى جماعتي الإخوان والجهاد، وبيان المحرضين، وإجراء تحريات الأمن الوطني، حول المتهم المقبوض عليه، ودوره في الأحداث. 3 - أن التحقيقات كشفت عن قيام المتهمين بتنفيذ مخططهم بعد إلقاء فتحي شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى المنحل، خطابًا في ميدان رابعة لإعداد قائمة سوداء، تضم كبار الصحفيين، بينهم هيكل، وأثناء عمليات فض الاعتصامين ذهب المتهمون إلى برقاش، للانتقام من هيكل بحرق محتويات مكتبته الخاصة. والملاحظ أنه إذا كان المتهم قد نفى صلته بالإخوان أو تلقيه أوامر من قادتهم بارتكاب الحادث فماهي التحقيقات التي توصلت لعكس ذلك، ومع من تمت، ولماذا لم يتم إعلان تفاصيلها قطعًا للشك باليقين لأنها الأهم حيث تعطي الحادث بعدًا سياسيًا وليس جنائيًا فقط طالما تكشف عن دور إخواني وهو ما يدعم اتهامات الإعلام والنخبة الموالية للسلطة بشأن أن الإخوان وحلفاءهم وراء العنف، ثم هل إعلان شهاب للقائمة السوداء يعني أنه لابد أن تكون الجريمة قد ارتكبت على إثرها، ولماذا لم يتعرض بقية أعضاء القائمة لأي سوء كما حصل مع هيكل، وماذا عن اعترافات المتهم التي تبرئ الإخوان، علمًا بأنه من مصلحته أن يزج بهم لتخفيف أثر التهمة عنه؟. والسؤال المحوري هنا : هل التحقيق في هذه القضية ينطلق من افتراض أساسي أن الإخوان هم المحرضون والمخططون، وهذا المتهم مجرد أداة، وأنه لابد من البحث عما يعزز هذه الفرضية بأي شكل، ليس في هذه الحادثة فقط، إنما في كل الحوادث الأخرى، حتى لو كانت مديرية أمن أسيوط أعلنت القبض على بلطجي متهم بحرق إحدى الكنائس، وكذلك ما قاله رجل دين مسيحي في المنيا من إن بلطجية هم من أحرقوا كنيسته؟!. لا مانع من طرح هذا الافتراض طالما سيكون في مصلحة كشف الحقيقة، لكن وفق تحقيق شفاف نزيه لا يكون الهدف منه مجرد اتهام الإخوان في إطار الحرب الواسعة عليهم، وهذا ليس دفاعًا عنهم، فلو كانوا متهمين فعلاً في كل ما حصل يوم 14 أغسطس فيجب أن يحاسبوا، إنما نحن ندافع عن الحقيقة خشية تكريس تلك المكارثية المجنونة التي تعم البلاد. نريد العدالة معصوبة العينين حتى نقطع الشك باليقين ونعرف الحق من الباطل والصدق من الكذب في هذه المرحلة التي تكثر فيها الاتهامات وتُطلق جزافًا ولا تستثني أحدًا كما تصدر أحكام الإدانة في الإعلام وعلى ألسنة الساسة وكل من يركب موجة العمل العام دون تثبت أو انتظار لنتائج التحقيقات والمحاكمات ودون اعتبار لكون المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته. في هذه الفترة المعتمة ليس هناك من يبدد ظلمتها إلا القضاء المستقل النزيه حصن المصريين الأخير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.