ننتهي اليوم بإذن الله من مناقشة التعديلات التي إقترحتها (لجنة العشرة) لتكون التعديلات الدستورية على دستور 2012، بينما هي في الواقع تشكل دستورًا جديدًا له روح مختلفة المادة (171) وزير الدفاع: كان نصها (وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها)، فزاد فيها، (بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة) !!!، فقامت بالحجر على السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وجعلت المجلس الأعلى للقوات المسلحة شريكًا في الحكم في موضوع من أخص خصائص رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء !!، وكان (الثوريون) وبعض أطياف (جبهة الإنقاذ) ينتقدون هذه المادة في دستور 2012 بشدة لأنها ألزمت بأن يكون وزير الدفاع من بين ضباط الجيش وهو إزام لم يكن موجودًا من قبل، فإذا بهم يتركون هذا الإلزام بل ويزيدون فيه ما زادوا !!.
المادة (176) الشرطة: كان نصها (الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية، وتؤدى واجبها فى خدمة الشعب، وولاؤها للدستور والقانون، وتتولى حفظ النظام والأمن والآداب العامة، وتنفيذ ما تفرضه القوانين واللوائح، وتكفل للمواطنين طمأنينتهم وحماية كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم، وذلك كله؛ على النحو الذى ينظمه القانون)، فتم حذف (وتكفل للمواطنين طمأنينتهم وحماية كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم ) !!، شيئ مذهل حقًا، الإصرار على حذف كل ما يشير إلى حريات المواطنين وكرامتهم من المواد المتعلقة بالشرطة !!، وهذا هو ثاني حذف بعد حذف مماثل في الديباجة، تعرضت له في المقالة الأولى من هذه السلسلة، فما هي الرسالة التي يوصلها هذا الحذف في النصوص ؟!، إلا أننا نقول للشرطة - التي لم تتطهر بعد من أدران عهد مبارك - أن العهد الجديد يعفيكم من اي إلتزامت تجاه حريات المواطنين وكرامتهم، ولو كانت نصوصًا في الدستور !!.
المادة (189) مادة التعديلات الدستورية: وفيها المحاولة الأولى لتحقيق رغبة السيد محمد البرادعي وإيجاد ما يعرف بالمبادئ فوق الدستورية، إذ تم إضافة فقرة في المادة بعد شرح الخطوات المطلوبة لإجراء التعديلات الدستورية، نص الزيادة (وفي جميع الأحوال لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات) !!. أول ما في هذه الزيادة من سوء أنها توحي كأن دستور 2013 متقدم عن غيره في مجال الحريات !!، بينما العكس هو الصحيح كما أسلفت في هذه المقالة وفي سابقاتها، وأنه يحذف ضمانات كثيرة عن الحريات في ديباجة الدستور ومتنه على السواء، وثاني العجائب هي المحاولة لفرض نص من جيل على أجيال أخرى، وتصور إمكانية أن يكون لنص غير سماوي من القدسية والحماية ما يمنع تغييره !!، وهذا تصور يعبر عن رجعية فكرية كما يعبر عن إنعدام للواقعية، فهذه المادة التي تحصن مواد معينة في الدستور نسيت أن تحصن نفسها، وبالتالي يمكن بتعديل تلك المادة نفسها وحذف هذه الفقرة إجراء أي تعديلات أخرى، بل حتى لو كانت هذه المادة قد حصنت نفسها، فيمكن إلغاءها كلية وحذف هذا التحصين، بل إن الدستور بأكمله بكل ما فيه وما هو محصن فيه هو عرضة للإلغاء والتعديل في الكثير أو في القليل، تبعًا لإرادة الشعب في وقت ما، ليت الذين يتعبون أنفسهم في محاولة فرض ما يريدون - خيرًا كان أم شر - على الشعب أن يدركوا أن الضمانة الحقيقية لأي نص غير سماوي لا تكمن في مواد تحصينية يمكن إلغاؤها في يوم واحد، وإنما تكمن في الإقناع بتلك النصوص وإستمرار الإقتناع بها، هذه هي القيمة الحقيقية- وبالتالي الضمانة الحقيقية - لأي نص دستوري.
وإلى هنا تنتهي رحلتي مع قراءة المسودة الأولى للدستور، وسنتابع إن شاء الله تعديلات لجنة الخمسين الموقرة عليه، ولعل تلك الرحلة ساعدت في معرفة ملامح تلك التعديلات الدستورية، واي مستقبل ترسمه لمصر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.