وأخيراً قررت البحرين الإقدام على الخطوة المنتظرة منذ أكثر من عشر سنوات. خطوة فصل قطاع الثقافة عن الإعلام. وقد كان يُنظر إليها على أنها عملية بالغة التعقيد بسبب التداخل الإداري والمالي وتشابك التفويضات والمسؤوليات، لكن العملية أصبحت أسهل من كتابة القرار نفسه. بل وتتناسق مع انطلاق ثقافي حقيقي دشنته وزيرة القطاعين السابقة الشيخة مي الخليفة. حيث سيصبح للوزيرة الآن التفرغ التام للعمل الثقافي دون الحاجة للارتباط بماكينة الإعلام الثقيلة الحمولة. فصل الإعلام عن الثقافة كان مطلبا حيوياً حتمته اختلاف طبيعة التخصصين. كما حتمته، في السابق، ظروف قلة الإحساس بأهمية الثقافة كمنتج قومي يمكن تنميته والحفاظ عليه. ومع إقدام الدول الخليجية المجاورة على أخذ زمام المبادرة كقطر والإمارات في إنشاء وزارات مستقلة للثقافة، بات القرارالبحريني منسجماً مع التطورات الهائلة في قطاعات الإعلام، ومستجيباً في ذات الوقت لتحديات عصر "ما بعد إعلام الانترنت"، الذي تتجاوز فضاءاته حدود الدول ولا يلتزم بقوانين الحكومات ولا بتشريعاتها. في حالة البحرين، كان طرح الفكرة قديماً. تبرز أحيانا وتتراجع أحيانا أُخر تحت دواعي عدم الاستعداد وأن الأمر تحت الدراسة. أما وقد تم الأمر، وصار الإعلام من اختصاص جهة واحدة (هي حالياً هيئة شؤون الإعلام)، فإن الخطوة في تصورنا يجب أن تكون أبعد من فصل بين جهازين حكوميين. أمام الوزير الشيخ فواز بن محمد آل خليفة القادم من مؤسسة الشباب والرياضة مهمة ليست بالسهلة. خبرة الوزير الطويلة في العمل الشبابي مطلوبة لتطوير الإعلام بروح شبابية تخاطب 60 % من جماهير الشعب البحريني، وهي نسبة الشباب بين عدد سكان البحرين. والبحرينيون لديهم جفاء مع إعلامهم الوطني الذي لم يستطع رغم جهود الوزراء السابقين المخلصة من إرضاء قطاع كبير لا يتواصل مع شاشة تلفزيون البحرين. هنا لا نقلل من التطوير الملاحظ الذي طرأ على البرامج اليومية، وإن تم ذلك بخبرات غير بحرينية ومبالغ طائلة لمستشارين!! أثارت الشارع إلى حد ما. لكن الحقيقة التي يعرفها العاملون في الانتاج التلفزيوني يقدرون متطلبات الإنفاق على مثل هذه البرامج. الإشارة الإيجابية هي اعتماد الوجوه الشبابية البحرينية والتي أثبتت حضورها اللافت في التقديم التلفزيوني والإذاعي. على أن المسألة الأهم هي ضرورة إدارة الإعلام الوطني بعقلية مدركة لأهمية الإعلام وحساسية استخدامه. تجارب الأشقاء في قطر والسعودية والإمارات والكويت ونجاح هذه الدول في استحداث نماذج جديدة خاصة بها لإدارة الإعلام تعطينا الدليل على إمكانية بناء نموذج لإعلام بحريني متطور ومنافس وملائم لحالة البحرين. وبتمازج الخبرة الماضية مع انجازات الحاضر، وبالاستعانة بخبراء البحرين وكفاءاتها في الإعلام والاتصال الجماهيري يمكن القول أن المرحلة الحالية تستوجب قيام "مجلس أعلى للإعلام" يضع استراتيجية وطنية متكاملة يسير على منوالها الإعلام البحريني بما يحقق حاجة السلطة كأداة لتوجيه الجماهير ويلبي تطلعات الناس. وفي نفس الوقت يعطي لصناعة الإعلام المحلي الدور الأوسع ليدخل المنافسة الإعلامية بتوازن وثقة. وبحيث يكون هذا المجلس داعماً ومسانداً لهيئة شؤون الإعلام والتي ستكون الجهة التنفيذية لاستراتيجية وطنية تحدد هوية البلد وتخدم رؤيته الاقتصادية لعشرين سنة قادمة. * أستاذ الإعلام – جامعة البحرين