هذه الأيام، يعاد طرح السؤال حول "هوية" مصر، من قبل متطرفين أقباط .. هذا "التحرش" لم يصدر عن دوافع بريئة وعفوية أفرزتها تطورات ثقافية واجتماعية طبيعية تحظى باجماع وطني عام.. وإنما يعتبر أحد أبرز تجليات "الانتهازية السياسية" التي صنعتها ظاهرة "الاستقواء" بالخارج استثمارا للظروف الدولية الضاغطة على الداخل "المسلم" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامي، ولا زالت تلقي بظلالها على مجمل الخريطة الإسلامية إلى اليوم. واللافت أن هذا التحرش جرى "اختطافه" من الأقليات الدينية، من قبل التيار العلماني المتطرف، وتوظيفه في ابتزاز النظام السياسي، لحمله على تقديم تنازلات تعزز من "علمنة" الدولة، وتغيير واجهتها الحضارية الإسلامية. والمسألة في مجملها تشبه عمليات اللصوصية، وصراع اللصوص على "الضحية"، والسرقة على "حس" لص آخر من غير أعضاء العصابة، والأكثر دهشة أن الكل يمارس عملية النصب تلك باسم ما يسمى ب"المواطنة"! تحالف اللصوص (المتطرفين الأقباط التطرف العلماني)، شرع في وضع الإسلام كدين وثقافة وحضارة باعتباره ضد "المواطنة"! ومن ثم فإن تنحية الإسلام عن سن التشريعات وتقليص وجوده الرمزي في الشارع، والاعلاء من قيم الحضارات الوثنية القديمة باعتبارها "الحضارة الأم" للدولة.. يعتبر ذلك من وجهة نظر هذا التحالف، المظلة التي يستظل بها الجميع بغض النظر عن دينه باعتباره مواطنا، وذلك بديلا عن الإسلام "المتهم" ب"إهدار" حقوق المواطنة، لتصنيفه الناس طبقات بحسب دينهم على حد زعمهم! والأكثرالتفاتا أن المتطرفين الأقباط الذين يرفعون شعار "المواطنة" ضد "الأسلمة" يعملون بالتزامن مع ذلك على اتباع سبيل "التمييز الديني" وحصر حقوق المواطنة على "سلالتهم الدينية" باعتبارهم أهل البلاد الأصليين فيما يظل المسلمون "غزاة" و"محتلين" لا يحق لهم الانتساب للبلد وحمل هويتها الوطنية! هذه النزعة "الظلامية" والموغلة في شوفنيتها وعنصريتها، انخرطت فيها التيارات العلمانية المتطرفة، بكافة تكويناتها الأيديولوجية، ففي حين يستقي العلمانيون شرعيتهم من مفهومي "المواطنة" و"الدولة المدنية" فإنهم يفرضون على المجتمع نوعا من الوصاية الفجة، باعتبارهم الجهة الوحيدة التي تملك الحقيقة ومفهوم "المواطنة الصحيحة" والتي حصروها في الانتماء إلى الثقافات والحضارات المحلية غير المستقاه من العروبة والإسلام.. ومن دونهم فهم غير "وطنيين" لانتمائهم ل"ثقافة البدو" أو "الفقه البدوي" وهي مصطلحات مراوغة يقصد بها الإسلام كدين وحضارة وثقافة ومكون أساسي للهوية الوطنية الدولة. وفي حين يتسامح العلمانيون مع التمدد الأسمنتي والخرساني غير المرخص به قانونا للمعابد والكاتدرائيات الخاصة بالأقليات الدينية في الشوارع والميادين العامة، بهدف تغيير الهوية المعمارية للدولة المسلمة، واضفاء واقع معماري مزيف يعكس تفوقا عدديا غير حقيقي للأقلية الدينية.. ويعتبر العلمانيون هذا التحدي لسلطة القانون والدولة حقا من حقوق المواطنة.. نجدهم في الوقت ذاته يناهضون أية محاولة من جانب الأغلبية المسلمة لممارسة حقوقهم الدينية بما فيها التوسع في بناء المساجد أو تلاوة القرآن الكريم، باعتباره بحسب زعمهم "مستفزا" لمشاعر الأقلية ومعاديا ل"حقوق المواطنة"! بتواتر تلك المواقف أمست "المواطنة" رغم أهميتها مصطلحا سيئ السمعة، ولا تُذكر إلا واستدعيت كل معاني "الانتهازية السياسية".. وهاجت الهواجس والشكوك وتوقع الرأي العام المسلم بأن ورائها من الشرور ما يستدعي التحوط والحظر، وذلك بعد أن باتت في الواقع شعارا لمناهضة "الأسلمة". [email protected]