ثلاث مغالطات جوهرية يصر عليها التيار الإسلامي منذ أمد بعيد ويقوم على ترسيخهما وتأصيلهما في أذهان أنصاف المتعلمين والبسطاء والسذج من العوام. المغالطة الأولى: أن كل حكام مصر ماعدا "مرسي".. هم فراعنة طغاة على شاكلة "فرعون موسى".. يدعون الألوهية والربوبية.. وأن وزراءهم وجيوشهم وشرطتهم هم شركاء مع فرعون في ظلمه.. وبالتالي يجب أن يظل المواطن المصري في خصام دائم مع مؤسسات دولته وهذا يسهل مهمة تلك الجماعات في تجنيد من الكارهين والناقمين على مؤسسات وطنهم. المغالطة الثانية: أن كل حكام مصر ماعدا مرسي.. يحاربون الإسلام كما كان يحاربه مشركو قريش والفرس والروم. المغالطة الثالثة: أن الجماعات الإسلامية.. هي فقط حاملة لواء الإسلام في مصر، وأنها الممثلة الوحيدة له، والوكيل عن الله في إدارة شئون المؤمنين.. ولها من ثم الحق في الحكم على هذا بالإيمان والحكم على ذاك بالكفر. وتلك مغالطات وافتراءات واتهامات لا يمكن قبولها على إطلاقها.. كما لا يمكن رفضها على إطلاقها.. والأمر يحتاج إلى تفصيل: الرد المغالطة الأولى: المقارنة بين فرعون موسى وبين حكام وقادة جيوش يعبدون الله ويصلون ويصومون ويحجون ويستدلون بآيات من الذكر الحكيم ويعلنون إيمانهم بالله وخضوعهم له.. هي مقارنة مؤثمة شرعًا.. ففرعون لم ينطق بالشهادتين إلا ساعة المعاينة وبشكل فيه كبر وعناد.. وكان يعلن صراحة ويقول لشعبه "أنا ربكم الأعلى".. ولم يصل لله ولم يسجد لله ولم يؤمن برسول الله موسى عليه السلام بل حاربه وطارده وذبح أبناء المؤمنين ليس من أجل الصراع على السلطة وشرعية الحكم.. فلم يكن موسى ينازعه على شرعية حكم مصر.. بل قاتل المؤمنين بالله على أساس عقدي وإيماني.. بل ولم يكن يسمح لأحد بإظهار الإيمان بالله أو التعبد له.. فلا يمكن لعاقل يحترم عقله ودينه ونفسه أن يساوي بين هذا الفرعون وبين ملوك ورؤساء مصر الذين هم مؤمنون بالله حتى مع وجود مظاهر ظلم أو استبداد أو فساد أو انحراف عقدي أو فكري.. فليس كل من يظلم أو يفسد أو يستبد أو ينحرف يصبح كافرًا.. وإلا لكان ثلاثة أرباع حكام الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وغيرها كفارًا.. فلم يخلو عصر من عصورهم من ظلم واستبداد وقهر وفساد وانحراف.. أقول مرة أخرى لا يجوز شرعًا مساواة هؤلاء الحكام والملوك وقادة الجيوش بفرعون مصر.. ولا يفعل ذلك إلا معتد أثيم جاهل. الرد على المغالطة الثانية: لم يكن أحد من حكام مصر يحارب الإسلام كعقيدة وشريعة وعبادة.. ولم يكن أحد ليخسر منهم شيئًا لو طبق الحدود الشرعية على رعاياه (يوظفها لمزيد من قهر الشعوب).. لولا وجود موانع تتعلق بالمجتمع الدولي في ظل حالة الضعف.. ولم ينكر أحد منهم أصلًا من أصول الإيمان أو ركنًا من أركان الإسلام بشكل علني صريح (باستثناء بورقيبة والقذافي.. لكن هذا لم يحدث في مصر أبدًا).. وإن كانت لديهم انحرافات فكرية كثيرة.. وثقافة يتعلق أكثرها بحدود العلاقة بين الرجل والمرأة وبعض مظاهر التدين وبعض التصورات الأخرى.. لكن أحدًا منهم لم يحارب الناس على عقيدتهم ودينهم. ولكنهم كانوا يحاربون كل القوى الطامعة والمنافسة لهم على السلطة بصرف النظر عن أيديولوجياتهم.. فقد جمعت سجون ناصر بين الإسلامي والشيوعي والاشتراكي الثوري وغيرهم.. وذاقوا جميعًا الويلات لا لشيء إلا لمحاولة الانقلاب على السلطة والمنافسة على الحكم.. نفس الكلام بالنسبة للسادات ومبارك.. فقد جمعت السجون والمعتقلات أيضًا الفصائل والجماعات والتوجهات والأحزاب كافة.. لا لشيء لشعور هؤلاء الحكام على عروشهم وسلطتهم. إذن الصراع بين هؤلاء الحكام وبين التيارات الإسلامية وغير الإسلامية.. لم يكن على خلفية عقدية وإيمانية.. بل على خلفية سياسية بحتة حتى وإن التحفت بخطاب ديني. وأما بخصوص المغالطة الثالثة.. فليس صحيحًا أبدًا أن الإسلام حكر على هذه الجماعات .. والحقيقة أنه ليس لوجود هذه الجماعات من فائدة تذكر إلا في ظروف معينة وبيئات معينة.. وبعض الجوانب الدعوية فقط.. في مقابل أن هذه الجماعات ذاتها صارت وبالًا على الإسلام والمسلمين.. على المستويات العقدية والفكرية والثقافية والدعوية كافة.. ويكفي أن بعضها يكفر بعضًا ويخطئ بعضًا ويفسق بعضًا.. وأنها كما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله صار الدين على يديها أداة لتفريق المسلمين بدلًا من جمع كلمتهم. الإسلام يمثله التيار العام غير المنتمي لأي فصيل من تلك الفصائل التي تنفرد كل واحدة منها بمجموعة انحرافات عقدية تميزها عن غيرها من الجماعات الأخرى.. ناهيك عن أن ممارستها الخاطئة لاسيما التكفيرية منها وأدعياء الجهاد خوفت الحكومات من كل المتدينين وصارت الحكومات تساوي أحيانًا وفي أوقات الاضطربات بينهم جميعًا. أما عن الجيش المصري.. فهو يختلف عن بقية الجيوش العربية من أنه جزء أصيل من الشعب.. وقياداته كلها على اختلاف رتبها تنتمي إلى نفس شرائح الشعب.. ومعظم أفراده من المجندين تجنيدًا إجباريًا.. حتى في درجات وأنواع التجاوزات هو صورة طبق الأصل مما هو موجود بنفس النسب بين شرائح الشعب.. لكن يظل هو الملجأ الأخير للشعب بعد الله عز وجل.. في حماية الأمن القومي للبلاد.. ولذلك استعان به الثوار في يناير 2011 واستعان به الإخوان في فترة حكمهم.. ثم استعان به الشعب مرة أخرى لحماية مصر من خطر المشروع الإخواني الأممي الافتراضي الذي يقوض أركان الدولة العصرية التي تتحقق فيها قيم الخلافة وتصوراتها ومبادئها أكثر مما تحققه تلك الصورة القديمة السطحية للخلافة، والتي يستحيل إعادتها من جديد.. ذلك المشروع الذي كان سيدخل مصر في متاهات كانت ستنتهي به حتمًا نحو التقسيم والفشل.. فكان ولابد من تدخل الجيش كحامي أخير للأمن القومي الذي تعرض لأخطار جسيمة على يد مرسي وجماعته. لذلك فالتيار العام للشعب المصري يعتبر كل من يتطاول على الجيش أو يحاول هدمه أو تقسيمه خائن عميل وإن صلى وصام وزعم أنه إسلامي.. لأن سقوط الجيش ليس له إلا معنى واحد هو سقوط الوطن.. ومعناه أيضًا تضخم دولة الإرهاب وتركها تنمو في سيناء وغيرها من أرض مصر ولا يرضى بذلك إلا خائن حقير ليس له مكان إلا السجن أو الركل بالأقدام.