الرئيس السيسي ينيب وزير الدفاع للمشاركة في إحياء ذكرى رحيل جمال عبدالناصر    باستثمارات 200 مليون جنيه.. إطلاق خطة لتعميق صناعة الملابس بالصعيد    سكرتير عام بني سويف يتفقد منظومة العمل في ملفات التصالح بعدة مراكز    وزير قطاع الأعمال العام يتفقد شركة النصر لصناعة المواسير الصلب    عاجل - وزير الخارجية يعقد لقاء ثنائيا مع نظيره الألباني على هامش فعاليات "الأمم المتحدة" (تفاصيل)    خطاب نصرالله الأخير.. رسائل حادة وتهديدات واضحة    قبل الديربي.. أنشيلوتي يكشف كيف سيلعب ريال مدريد في غياب مبابي أمام أتلتيكو    «المصري توك».. سحر مؤمن زكريا وزوجته في مقابر عائلة مجدي عبدالغني.. ما القصة؟    تعويضات من «العمل» لضحيتي «سقالة مول التجمع»    الطقس غدًا .. ساعات حذرة ومتقلبة والعظمى على القاهرة تسجل 33°    الحكم على سعد الصغير بتهمة سب طليقته 26 أكتوبر المقبل    محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيسي تليفزيون وإذاعة القناة    مهرجان أيام القاهرة للمونودراما يكرم نيللي ومنير العرقي في حفل الختام    أيمن زيدان يعتذر عن تكريم الإسكندرية السينمائي.. بسبب الحرب    نبيل الحلفاوي بعد إخفاق الأهلي: لابد من شد الفريق وضبط وربط صواميله المفككة    برج الثور.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر: فرصة جيدة    محاضرات في الطب النفسي وعلاج الإدمان ضمن "100 يوم صحة" بالشرقية    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية: الدعوة يجب أن تكون في صدارة أولوياتنا    بتحية العلم والنشيد الوطني.. رئيس جامعة القاهرة يشهد انطلاق العام الدراسي الجديد    نائب محافظ شمال سيناء يتفقد نادي الهجن الرياضي    في الدورة ال79 | مصر تلقي كلمتها اليوم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    اليوم العالمي للأرنب.. 7 أسباب تجعلك تحب تربيتها في البيت بدلا من القطط والكلاب    الحزب الاجتماعي الصومالي: «التغييرات الدولية عملت على انتشار شعبية الأحزاب اليمينة وانحسار اليسارية»    «البناء والأخشاب» تنظم ندوة عن مشروع قانون العمل    محافظ جنوب سيناء يشكر "مدبولى": يقود باقتدار أهم مراحل بناء مصر الحديثة    السجن عامين لخادمة بتهمة سرقة شقة بالساحل    ضبط 15 ألف قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    «الإفتاء»: المشاركة في ترويج الشائعات حرامٌ شرعًا    «وكيل صحة الشرقية» يطمئن على الحالات المصابة ب«النزلات المعوية»    الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد الأربعاء المقبل    ننشر حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    رئيس الوزراء يزور منطقة وادي الدير بمدينة سانت كاترين    لاوتارو مارتينيز يقود هجوم إنتر ميلان أمام أودينيزي    الحوار الوطني يواصل تلقي المقترحات والتصورات بشأن قضية الدعم    رئيس الوزراء يوجه بضغط البرنامج الزمنى لتنفيذ مشروع "التجلي الأعظم" بسانت كاترين    تشكيل لوبي دولي من 120 منظمة عالمية للاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية    الإسكان تكشف الاستعدادات فصل الشتاء بالمدن الجديدة    «الفريق يحتاج ضبط وربط».. رسالة نارية من نبيل الحلفاوي لإدارة الأهلي بعد خسارة السوبر الأفريقي    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    مرض السكري: أسبابه، أنواعه، وعلاجه    علي جمعة: سيدنا النبي هو أسوتنا إلى الله وينبغي على المؤمن أن يقوم تجاهه بثلاثة أشياء    بعد واقعة النزلات المعوية.. شيخ الأزهر يوجه ب 10 شاحنات محملة بمياه الشرب النقية لأهل أسوان    ضبط 97 مخالفة تموينية و295 ألف لتر مواد بترولية مهربة بقنا    إسرائيل تستبعد مقتل القيادي بحزب الله هاشم صفي الدين    الضرائب: إتاحة 62 إتفاقية تجنب إزدواج ضريبى على الموقع الإلكتروني    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    وكيل صحة البحيرة يزور مركز طب الأسرة بالنجاح| صور    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا جديدا أُطلق من لبنان    صحة غزة: 52 شهيدا و118 إصابة جراء عدوان الاحتلال آخر 48 ساعة    تحرير 1341 مخالفات للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    سعر الفراخ اليوم السبت 28 سبتمبر 2024.. قيمة الكيلو بعد آخر تحديث ل بورصة الدواجن؟    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    كلاكيت عاشر مرة.. ركلات الترجيح تحسم بطل السوبر الأفريقي    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    أول رد فعل من حزب الله بعد استهداف مقر القيادة المركزية للحزب    "ظهور محتمل لمحمد عبدالمنعم".. مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ شكل تاني: الدولة المصرية وخرافة التحول لدولة دينية
نشر في بص وطل يوم 26 - 06 - 2012

لقد انتشروا.. افتح الفضائيات.. موقع تويتر.. موقع فيسبوك.. الصحافة المطبوعة والإلكترونية.. حتى حلقات النقاش الخاصة؛ ستجدهم في أغلب هذه الأماكن، يحملون الهستيريا ويحدثونك برعب عن الدولة الدينية القادمة.. يرفعون الصورة الشهيرة لمجموعة من الأشخاص معلقين من حبال المشانق في إيران، ويقصّون عليك ماذا فعل التيار الديني بالتيار المدني هناك.. يقولون لك إنهم يتوقعون السيناريو المماثل في مصر.
من البداية.. اسمحوا لي أن أُسجِل اعتراضي على عملية افتراض سيناريوهات خارجية باعتبارها قابلة للتطبيق في مصر بنسبة مائة بالمائة، سيناريوهات لدول مثل: تركيا، ورومانيا، وإيران، وإيطاليا، وباكستان، والبرازيل... وغيرها من الفرضيات المتداولة، والتي يتعامل البعض معها باعتبار أن أحدها هو مصيرنا لا محالة، ضاربين عرض الحائط بالاختلافات الجوهرية في عناصر مهمة؛ كطبائع الشعوب، والمضمون التاريخي، واختلاف المؤثرات السياسية والاجتماعية من مجتمع لآخر... وغيرها، مع إن العقل والمنطق يفرضان علينا حين نضع تحليلا أو توقعا مستقبليا أن نستخدم معطياتنا؛ الخاصة أن نُخضِع التوقعات لمؤثرات مجتمعنا نحن؛ وإلا فإننا سنكون أمام تطبيق آخر لمقولة "إذا ضعف العقل استسلم للخرافة"، فما الخرافة إلا انفصال بين الأفكار والواقع..
ومِن هذه الخرافات خرافة "سيناريو إيران وقيام دولة دينية في مصر"..

تعال عزيزي القارئ.. نتأمل النموذج الإيراني للدولة الدينية.. إيران بطبيعتها مجتمع قاسٍ الطباع -منذ بداية نشأة أول دولة فارسية بها على يد قورش- ويميل شعبها نوعا ما للقبلية والسير وراء زعامة ليست فقط سياسية بل روحية، وقد بدا هذا واضحا في فكرة تقديس الأكاسرة، وعصمتهم من الخطأ باعتبارهم من نسل الآلهة، وأنهم يتلقون عن الإله وحيا مباشرا، والتي ورثها الفُرس حتى بعد اعتناقهم الإسلام؛ بأن سارعوا لاعتناق الفكر الشيعي القائم على الخضوع لإمامة الإمام علي كرّم الله وجهه ولأبنائه ولأحفاده من بعده.. هذا المذهب الديني الإمامي يقوم في الأساس على فكرة الإيمان بأن هذا الإمام -علي ونسله- ليس بشرا عاديا يخطئ ويصيب؛ بل هو تجسُّد إلهي للكمال الرباني، وهذا لأن عليّ -وفق معتقدهم- قد تلقى العلم الكامل والحكمة من الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بعد أن تلقاه صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة، ثم توارث أبناء علي وفاطمة -رضي الله عنهما- هذا العلم وهذه الحكمة بشكل أشبه بالوراثة البيولوجية للصفات عبر الجينات؛ وهو ما يعني نتيجة واحدة: عصمة الإمام.
وبعد اختفاء الإمام الثاني عشر في مدينة سامراء؛ فقد اعتقد الشيعة الإمامية أو الإثنا عشرية أنه قد رُفِعَ أو غاب غيبة ينتظرون عودته منها، وبالتالي فقد كان من الضروري أن تظهر بينهم زعامات دينية هي الأئمة، أو من يمثلهم اليوم المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، وآيات الله بمدينة "قُم".. هؤلاء الزعماء الروحيون ليسوا بأئمة أصلين؛ ولكنهم نواب عن الأئمة من آل البيت.. مما يعني بطبيعة الحال اكتسابهم العصمة الإلهية من الخطأ أو الزلل.. والمؤمن الحق في مذهبهم من تبع إمامه، ومَن لم يفعل فإنه يموت ميتة الجاهلية.
بالتالي فإن المذهب الذي تعتنقه الأغلبية الكاسحة من الإيرانيين يقوم على فكرة "عصمة الإمام" ليس كجزء من الوجدان الجمعي للشعب ولا كفكرة قابلة للنقاش؛ بل كجزء من عقيدة دينية فارسية قديمة لم يتصدى لها إسلامهم حتى بل طوّعوا إيمانهم الإسلامي ليحتويها.. هذا يعطينا فكرة عن شدّة رسوخ هذا المبدأ لدى الإيرانيين.. السؤال إذن: هل يجد أي رجل دين أو سياسي ينتمي للتيار الديني أية صعوبة في أن يقود الشعب الإيراني يمينا ويسارا؟ وأن يجعل هذا الشعب يقبل أن تمارس السُلطة أي قمع يصل لحد القتل بحق المعارضين؛ ما دام أن هذا الشعب يؤمن بأن هذا الإمام ما هو إلا ما يمكن اعتباره صورة بشرية لله على الأرض؟ وعلى هذا تقوم من الأساس فكرة الدولة الإيرانية الدينية.. ولاية الفقيه.
هذا عن إيران..فماذا عن مصر؟!

هل يعلم القارئ العزيز أن آخر دولة دينية عرفها المصريون كانت دولة الفراعنة؟ وحتى هذه خضعت للتطور الفكري، فخلال عهد الدولة القديمة كان الفرعون إلها، وفي الدولة الوسطى صار نصف إله؛ بينما في الدولة الحديثة أصبح إنسانا؛ ولكنه يشغل منصبا مقدسا؛ حتى إن فرعون موسى حين قال {أَنَا رَ‌بُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} كانت هذه بدعة بين الفراعنة، فلم يكن لأي منهم سابقة أن يدّعي أنه كبير الآلهة.

هذا التطور الفكري هو ما جعل المصريين يرحبون بالمسيحية ثم الإسلام، بينما رفضوا بكل شراسة أن يعتنقوا فكرة "عبادة الإمبراطور" التي حاول الرومان فرضها عليهم بالقوة.. هذا تطور ينبغي أن نلاحظه.
التجربة التالية لمحاولة -مجرد محاولة- لفرض نظام الدولة الدينية كانت في العصر الفاطمي؛ حيث كان الفاطميون يعتنقون المذهب الشيعي، ويروجون لنفس فكرة عصمة الإمام.. فما الذي حدث؟
ببساطة لم يتقبل المصريون هذا المذهب ولم ينتشر إلا بين الطبقة الحاكمة أو المتملقين لها؛ بل وجرت المعارك بالسيوف والبُلَط في الشوارع لمحاولة الفاطميين فرض تلك الفكرة، وفور سقوط دولة الفاطميين اختفى مذهبهم وتحوّل إلى مذهب محظور؛ رغم أنهم حكموا مصر لمدة 160 عاما.. وبالمناسبة فإن المصريين خلال العصر الفاطمي قد أشبعوا الحكام سخرية واستهزاء.. وهو فارق كبير بين الشعبين المصري والإيراني؛ فالأول اعتاد السخرية والتنكيت على حكامه، بينما الآخر اعتاد احترامهم لحد التقديس أحيانا.. والطبع -كما يقال- يغلب أي تطبع.
السؤال.. هل هذا الاختلاف في المعطيات التاريخية بين الشعبين الإيراني والمصري ينبئ بأدنى إمكانية لأنْ تؤدي في مصر لنفس ما أدت إليه في إيران.. أعني "الدولة الدينية"؟
الأمر عندي كباحث في التاريخ يشبه أن يتحدث أحدهم عن إمكانية أن تنضم إسرائيل لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

إن المعطيات الوحيدة التي يعتمد عليها مَن يروجون للخوف من قيام دولة دينية في مصر هي تلك المتعلقة بشعبية رجال الدين، وانتشار الفكر السلفي على الطريقة السعودية، وانتشار الجهل والانقياد لكل من أطلق لحيته وتلقب ب"المشيخة".. لكن السؤال هنا: هل هذه معطيات كافية لقيام دولة دينية كاملة بنظامها ومؤسساتها وقاعدتها الشعبية؟ لماذا إذن لم يتحمس المصريون لتلك الفكرة حين أطلقها المتطرفون وحملوا لأجلها السلاح في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؟ وإن كانت الإجابة هي: "لأن هؤلاء المتطرفين لم تكن لديهم السُلطة، ولو كانت لهم لانقاد لهم المصريون".. والسؤال التالي هو: ولو كان المصريون قد بلغوا هذا الحد من الانقياد.. فكيف قاموا بالثورة؟ وإذا كان المصريون يقبلون لفكرة وجود مرشد أعلى أو قائد روحي.. فلماذا لم يسارعوا زمرا وزرافات للانضمام لجماعة الإخوان المسلمين أو الدعوة السلفية -مثلا- بعد أن حررتهما الثورة من الحظر والقمع؟! الفكرة تبدو ممجوجة وشديدة السطحية، ولا تعتمد إلا على معطيات عارضة أو مؤقتة لم تتوفر إلا في ثلاثة أو أربعة عقود من عمر المصريين.. وتجاهل أصحاب هذا الفكر باقي عمر المجتمع المصري.. الأمر يشبه أن تحكم على رجل تقي صالح أنه فاسد منحل مع أول زلة يرتكبها، متجاهلا عمرا كاملا من الصلاح.
والأسئلة الأخيرة التي أطرحها على هؤلاء الذين يروجون للخوف من نموذج الدولة الدينية الإيرانية هي:
- ما هو مدى طلاعكم على الاختلافات المذهبية بين الإيرانيين والمصريين فيما يخصّ شكل الدولة في عقيدة كل منهما؟
- ما هو مدى اطلاعكم على خصائص المجتمع الإيراني بالذات المؤثرة في نظرته للحُكام واختلافها عن تلك الخاصة بالمجتمع المصري؟
- ما هو مدى اطلاعكم على التاريخ الفكري والاجتماعي والديني للمصريين؟
مع الأسف فإن أغلب من واجهتهم ممن يعتنقون فرضية الدولة الدينية لا تتوفر عندهم أية معطيات كافية للحكم والتوقع المستقبلي.. وليست لديهم سوى "مشاهدات - تجارب - نماذج"، وإني لأتفهّم مخاوفهم العادلة من خطاب بعض المنتمين للتيار السياسي الديني، وإن كنتُ أرى الظلم في حكمهم وأنصحهم -نصح من شاركهم المعاناة من سوء الخطاب المذكور وظلمه للمنادين بالدولة المدنية- أن يسعوا مسبقا لتحييد العواطف، ثم طرح الأسئلة سالفة الذكر على أنفسهم، وإيجاد إجابات علمية وعملية لها مستندة على الواقع والتاريخ، وهذا مما يزيل الخوف.. الأمر أشبه بمن يخشى ظلال الأشياء في غرفته المظلمة، فما عليه إلا أن يلتمس بعض النور ليتعرف ملامح الأشياء وحدودها؛ ليكون تعامله معها وفق حقيقتها لا وفق ما قد يصوّر له خوفه.. هذا ما أنصح به نفسي دوما كلما أحسست تأثير القلق والخوف على نظرتي.. وأرجو أن تلقى نصيحتي تلك منكم القبول..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.