ما أرخص الحروف والكلمات أمام دماء تسيل, وأرواح تزهق, وأجساد تحرق, ووطن يستباح.. ولكن ماذا أفعل ولا أملك سواها؟ فبعد أن انقطع صوتي من الصراخ, وجف دمعي من البكاء, وتحشرجت الكلمات في حلقي, قررت أن أكتب ما جال بخاطري لعله يهون عليّ وعلى من يقرأه.. أو يقدم توصيفًا متواضعًا لما يحدث.. حتى نرى الصورة واضحة ونستجمع أفكارنا لعلنا نصل إلى حل, الفاجعة كبيرة والمأساة ضخمة, وصفتها من قبل ووصفها غيري بأنها حرب إبادة، واليوم هو أحد فصول تلك الحرب, ويمكننا أن نصفه بكلمة (المحرقة) قتلى بالمئات وفي تقرير للمستشفى الميداني يقول إنهم تعدوا الألفين وثلاثمائة شهيد, وجرحى تجاوزوا الخمسة آلاف وهم في ازدياد، عربات إسعاف يتم منعها, مستشفى يتعرض للهجوم من قوات الجيش والشرطة ويتم الاعتداء على الأطقم الطبية فيه ثم إشعال النيران به, مسعف يتم قتله برصاص القناصة وهو ينقل أحد الجرحى, خيام يتم إضرام النيران فيها ويقتل من فيها حرقًا, مصابون يتم إنزالهم من عربات الإسعاف واقتيادهم لأقسام الشرطة من أجل التحقيق معهم وحبسهم, مدرعات تدهس نساء, أطفال رضع يموتون مختنقين من قنابل الغاز, ورصاص قناصة لا يفرق بين رجل وامرأة أو كهل وشاب, ثم جثث يتم إحراقها لإخفاء جرائمهم, الجميع مستباح.. أحياء وأموات, ومساجد يتم محاصرتها والاعتداء عليها وانتهاك حرماتها, وبعد أن تتم محاصرة المعتصمين في الميدان ويتم توجيههم إلى ما يسمى بممرات آمنة.. يطلق عليهم الغاز والرصاص في تلك الممرات, إنها المحرقة إذن, مجموعة من الأغبياء يملكون قوة السلاح ولا يملكون ذرة من عقل يطمعون في حكم مصر لكن هيهات هيهات أيها الأغبياء, لقد فعل السيسي الخائن ما لم يفعله الطاغية بشار في سوريا, فلم نره يسقط هذا العدد من القتلى والجرحى في يوم واحد بل في عدة ساعات لا غير, يتصورون أنهم إذا قتلوا هؤلاء الثائرين في ميدان رابعة والنهضة أو طرحوهم أرضًا يخلو لهم الحكم, لا يعلمون أن دماء الشهداء تروي أرضنا الطاهرة فتنبت إرادة وعزيمة وإصرارًا, وكل ثائر يسقط شهيدًا ينتفض العشرات يطالبون بالقصاص لدمه، لم تنته الحرب بعد, ولم يحدث في التاريخ أن انتصر نظامًا غاشمًا على شعب مهما كانت قوته ومهما كان جبروته (ولنا في فرعون وهامان عبرة) وفي الفرعون النائم على سريره في سجن طره أقرب مثال, صحيح أن السيسي فعل ما لم يفعله مبارك في ثلاثين عامًا, ولكن ليس لأنه أكثر قوة منه أو جبروت ولكن لأنه أكثر غباء, وأهم من يتصور أن الشعوب تباد أو أن الشعوب تهزم, هنيئًا لمن نالوا الشهادة, وحقيق علينا أن نبارك لهم, إنهم أناس صدقوا الله فصدقهم الله, نحن منتصرون في جميع الأحوال, إن استشهدنا منتصرين, وإن أطال الله في آجالنا سنخلف وطنًا حرًا لأبنائنا, وطن لا يخافون فيه بخسًا ولا رهقًا, لم تنتصر ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد.. بل لم تكتمل أصلًا, وارتكبت جميع الفصائل في مصر أخطاءً فادحة.. ووأدت الثورة قبل أن تولد للنور, الجميع يعلم أن نظام مبارك لم يسقط, وأخطأ الإخوان حينما ظنوا أنه يمكن بالمسار الإصلاحي أن يتم تطهير الدولة, وما أسقط حكم الإخوان لم يكن أخطاء ارتكبوها وضخم منها الإعلام, بل أثبتت الأحداث أن تلك المواجهة مع العسكر كانت مواجهة حتمية, وأي نظام غير الإخوان كان حتمًا سيسقط, ولكن قدر الله أن تخوض مصر معاركها كلها مرة واحدة: معركة مع دولة عميقة متجذرة فاسدة, ومعركة على هويتها الإسلامية, حاولوا أن يوهمونا كثيرًا أنها معركة مع الإخوان.. و أبى الله إلا أن يفضحهم أمام الأشهاد, و(حديث الفريق السيسي الخائن مع جريدة (الواشنطن بوست) الذي قال فيه إنه انقلب على حكم مرسي لأنه كان يحلم بإقامة خلافة إسلامية) هو خير دليل, و كذلك حديث السفير الكذاب (نبيل فهمي) وزير خارجية الحكومة الانقلابية مع جريدة (دير شبيجل الألمانية) الذي تكلم فيه عن أسباب مظاهرات الثلاثين من يونيه حيث قال نصًا: "كان الرئيس مرسي يحلم بتأسيس نظام إسلامي ولم نكن نسمح له بذلك, فلجأنا للجيش" إذا هما معركتان وليست واحدة, إحداهما مع دولة عميقة فاسدة تريد الإجهاز على ما بقي من ثورة يناير ووأده (وتعيينات اللواءات الجدد.. أقصد المحافظين الجدد.. خير دليل) والأخرى مع قوى علمانية داخل مصر (وقد رأينا مؤتمر حلمي النمنم وتهاني الجبالي وغيرهم وحديثهم عن كون مصر علمانية بالفطرة) وقوى أخرى خارجية (أمريكية وإسرائيلية) ترفض رفضًا باتًا أن تقام دولة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط, ولا سيما قائدة الدول العربية والإسلامية مصر, فما الحل إذن?? أولًا: الثبات والصمود يا أحرار مصر في كل الميادين, فأنتم أمل الأمة كلها, وإذا انهزمت الثورة في مصر فلا أمل في الربيع العربي كله (هذا ما أقر به الكاتب العالمي الشهير روبرت فيسك في إحدى مقالاته).. أرجوكم لا تخذلوا إخوانكم الصامدين في سوريا والذين صبروا على ثورتهم ثلاث سنوات من القتل والتعذيب والسجن والحرق والتدمير والتجويع, صمدوا على الرغم من سقوط أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد, وخمسة مليون لاجئ ومهجر، ووطن دمر عن آخره, ولم ييأسوا ولم يقطعوا الأمل في نصر الله. ثانيًا: الأمل باق في كل من لديه ذره من ضمير حي وذرة من خير في قلبه وذرة من عقل في رأسه, قوموا بتوعيته ومخاطبة ضميره.. ولا تقطعوا فيه الأمل أبدًا, وكونوا أنتم الإعلام البديل, وأما ما سوى ذلك فاغسلوا أيديكم منه فهو ميت في صورة حي أو حيوان على هيئة بشر. ثالثًا: وهو الأهم (العصيان المدني) في كل قطاعات الدولة ومصالحها الحيوية, تلك هي أهم ورقة ستقضي على ما بقي من انقلاب فاشل, لا تغتروا بكثرة سقوط الضحايا.. إنها رقصة الذبيح الأخيرة, وقد مات الانقلاب إكلينيكيًا.. ولم يبق سوى أن ننزع عنه خراطيم الهواء وأجهزة التنفس الصناعية.. ونعلم أهله والعالم أنه قد مات. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.