يلقبونها في اليمن بأم الثورة والملكة بلقيس الثانية ويصفها العالم الحر بالمرأة العربية الأبرز التي لعبت دورًا هامًا في ثورة شعبية كبرى اقتلعت حكم طاغية في دولة عربية يكثر فيها السلاح في أيدي الناس كأنه البمب الذي يشتريه الأطفال. ومع ذلك لم تعرف تلك الثورة استخدام السلاح من الثائرين ولا حتى الأحجار ويرجع الفضل في ذلك لداعية السلام توكل كرمان التي كانت تلهم الشعب من سلميتها. نامت معهم في الشوارع وجاعت مثلهم ونجحت في النهاية في إزاحة علي عبدالله صالح، فحصلت على جائزة نوبل للسلام كأول امرأة عربية وأصغر حاصل عليها منذ تأسيسها. السلطة المعينة احتجزتها أمس الأحد في مطار القاهرة ومنعتها من الدخول وأعادتها على نفس الطائرة التي جاءت بها من الإمارات. منع توكل كرمان من الدخول إساءة بالغة لمصر لأنها شخصية دولية لها اعتبارها وتحظى بالاحترام في عواصم العالم خصوصًا لدى المحافل الحقوقية والسياسية والمؤسسات الأممية. إضافة إلى جائزة نوبل هي عضو الهيئة الاستشارية لمنظمة الشفافية الدولية، واللجنة الأممية عالية المستوى لرسم رؤية جديدة للعالم، وترأس منظمة صحفيون بلا قيود وعضو الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان. أما إذا تحريت عن سببه الحقيقي فستجد أنه مضحك، فهي ليست داعية للإرهاب ولم يعرف عنها ذلك، لكنها صاحبة موقف واضح وصريح وغير متردد، وهذا من شيم الثوار الحقيقيين ومن عمل الحقوقيين أصحاب المبادئ التي لا تكيل بمكيالين. كل ما فعلته توكل كرمان أنها أدانت التغيير الذي حدث في الثالث من يوليو واعتبرته انقلابًا على سلطة شرعية منتخبة، وهذا رأيها الذي شاركتها فيه دوائر دولية كبرى ووسائل إعلام لها نفوذها وقوتها مثل قناة السي إن إن. وكان رد فعل ذلك حملة ضارية عليها على صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية المصرية استمرت عدة أيام، بعضها سخر منها وكال لها الشتائم والبذاءات، ولم يكتف بها فقط بل رمى بأحجاره الكلامية كل الشعب اليمني، مما أدى بالسلطة المعينة، إلى أن تقرر دخول اليمنيين بموجب تأشيرات وموافقات أمنية مسبقة، وهو القرار نفسه الذي طبق على السوريين بسبب الحملة الإعلامية المستعرة التي لا أجد لها وصفًا مناسبًا سوى النازية الجديدة. أشير هنا إلى أن توكل كرمان تحمل جواز سفر دبلوماسيًا، بمعنى أنها معفاة من متطلبات التأشيرة. وصل الغضب من موقف كرمان إلى مطالبة البعض بجمع توكيلات وإرسالها إلى مؤسسة نوبل لسحب الجائزة التي حصلت عليها عام 2011. يبدو أن حكاية التوكيلات أعجبت أصحابها جيدًا ويظنون أن سرها باتع في كل مكان ومع كل الشخصيات! قالت كرمان لقناة الجزيرة: دخلت مطار القاهرة ووقفت في الطابور شأن بقية المسافرين، لكن أحد الضباط تعرف علي، وبعدما فحص جواز سفري الدبلوماسي أدخلني إلى غرفة تابعة للجوازات، وفجأة اختفى هذا الضابط وبدأت حركة مريبة من قبل الضباط آنذاك وحدثت اتصالات، وكانوا يتحدثون بصوت خافت بأنني جئت لمصر، ورفضوا دخولي إلى القاهرة واحتجزوني لمدة ساعة. هذا كله حدث قبل أن تبث وكالة أنباء الشرق الأوسط خبرًا بأن النائب العام أصدر صباح أمس قرارًا بمنع كرمان من دخول مصر بناء على البلاغ المقدم من المستشار القانوني للجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر، وفيه أنها تلقت 2 مليون دولار من التنظيم الدولي للإخوان للحضور إلى القاهرة والاعتصام في رابعة العدوية. ويقول بلاغ المحامي إنه تسربت لنا معلومات بأن هناك مؤامرة سوف يتم تنفيذها داخل ميدان رابعة العدوية لتصفية هذه الناشطة وإلصاق التهمة بالجيش والشرطة المصرية. صياغة خبر الوكالة الرسمية أثار الكثير من الحيرة، فقد بنى قرار منعها من الدخول على معلومات تسربت إلى الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر، فهل هذه الجبهة جهة أمنية سيادية يعتمد على معلوماتها وتتخذ على أساسها قرارت خطيرة دون الرجوع للجهات الأمنية الفعلية للتأكد من حقيقة هذه المعلومات؟!.. هل تملك أي جهة غير رسمية منع شخصيات دولية من الدخول أو احتجاز مواطنين من واقع تحرياتها أو المعلومات التي تدعي أنها تسربت إليها؟ في مصر الكثير من الائتلافات والجمعيات والهيئات التي تكونت عقب ثورة 25 يناير، فهل صارت كلها مؤسسات معلوماتية أمنية تمنع وتمنح الصكوك لمن ترضى عن مواقفهم أو لا ترضى؟! ما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط من تفسير لسبب منع توكل كرمان من دخول مصر جاء ليكحلها فعماها أو زاد الطينة بلة، فبالاضافة إلى الحيرة التي تسبب فيها فإنه جاء متناقضًا على نحو يهدم القصة الخبرية من أساسها، فكيف لناشطة تقبل الحصول على مليوني دولار من التنظيم الدولي للإخوان لتأتي إلى القاهرة وتعتصم في رابعة العدوية، وهي تعرف أنه سيتم اغتيالها داخله؟.. هل أخذت هذا المبلغ لتهبه لأولادها الثلاثة وزوجها ثمنًا لروحها؟! من يعرف توكل كرمان يعلم أنها ليست في حاجة إلى المال، فالجائزة المالية الكبرى التي أخذتها من نوبل أنفقتها في أنشطة خيرية وإنسانية. إذا كان منعها من الدخول تسبب في صدمة هائلة للرأي العام العالمي، فإن خبر الوكالة الرسمية غشومية إعلامية ترسل رسالة بمدى الفوضى التي تجتاح أم الدنيا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.