السيد الأستاذ .. أحييك وأحيي فريق عمل جريدة المصريون الموفقة وأتمنى لكم دوام النجاح ، وبعد ، فقد تابعت عن كثب ما دار ، وما لايزال يدور من جدل واسع في الشارع المصري في شأن تمديد قانون الطوارئ لمدة سنتين ، وهو القرار الذي أصاب كثيرين بالإحباط ، ومر بالنسبة للكثيرين أيضاً دون أن ينال من عزيمتهم ربما لأنهم توقعوه فأعدوا أنفسهم لاستقباله. وما أود أن أشير إليه هنا هو أنه على الرغم من أن قرار التمديد أتي ليكرس استبداد النخبة الحاكمة واستخفافها بأحلام وطموحات الملايين في العيش في مجتمع آمن حر ، وليضرب في مقتل شرعية الحكومة المصرية ، على الرغم من هذا فإنني أجد نفسي غير مكترث بتمديد قانون الطوارئ أو عدم تمديده ، وليس هذا لا سمح الله من قبيل اللامبالاة أو انعدام الحس الوطني ، ولكن لأني - كرجل درس القانون ويفهم معنى كلمة الحرية - أعلم تمام العلم أنه لو كان القائم على تطبيق القانون شخص معوج أو منحرف ، فلن تفلح معه كل قوانين العالم وسيفلح - ذلك المنحرف - دائماً في أن يحيل حياتنا إلى جحيم وفي أن يسلبنا حريتنا رغم أن يطبق قانوناً وضع في الأصل ليحفظ لنا حرياتنا ، لقد علمونا في كليات القانون المثل الشهير (أعطني قانوناً سيئاً ومنفذاً جيداً ولا تعطني قانوناً جيداً ومنفذاً سيئاً) ، ولأدلل على كلامي هذا دعنا نعود بالذاكرة إلى الوراء قبل تطبيق قانون الطوارئ بعد مقتل السادات لأسألك : هل كنا ننعم بالحرية في التعبير والتظاهر والاعتراض؟ هل كانت هناك حرية في عهد عبد الناصر والسادات؟ هل كانت ممارسات البوليس في هذين العهدين أفضل حالاً مما هي عليه الآن؟ أولم يكن الناس يختطفون من بيوتهم إلى غير ذي رجعة ودون أن يعلم عنهم أحد شيئاً مع أن قانون الطوارئ لم يكن مطبقاً إلا لفترت محدودة جداً خلال العهدين. مشكلتنا يا سيدي تكمن في القائمين على تطبيق القانون بدءاً من رئيس الجمهورية وحتى أصغر ضابط بوليس في الشارع ، إن الثقافة السائدة لدى هؤلاء جميعاً هي ثقافة إخطف وإجري ، ثقافة الاستعلاء والاستكبار على المواطنين والرغبة العجيبة في إخضاعهم وإذلالهم ، إن المسؤول ( الحاكم ورئيس الوزراء والوزير إلخ ) المستقيم الذي يتقي الله عز وجل يمكن أن يعدل اعوجاج القانون بممارسته المحترمة لمهنته دون تزيد أو انحراف ، بينما المسؤول المنحرف المعقد يمكن أن يحيل بلداً كإنجلترا بكل قوانينها الفاعلة التي تعلي حرية الفرد وتهدف لإقامة العدل إلى مهد للظلم والقمع وتكميم الأفواه وستصبح القوانين حينها حبراً على ورق. حين يقوم على القانون رجال شرفاء فإنهم سيقوِّمون اعوجاج النصوص القانونية ويطوعونها حال التطبيق خدمة لمصالح الناس وإعلاءً لقيم الحق والعدل والحرية ، بينما نحن نرى وزارة الداخلية المصرية وقد حولت عبارة (الشرطة في خدمة الشعب) لتكون (الشرطة والشعب في خدمة القانون) في نبرة استعلائية واضحة واستكبار جلي ، ولو علموا لأدركوا أن خدمة الشعب شرف لكل منتسبي سلك الشرطة بدءاً من الوزير ، ولو سألت أي مواطن (شريف مستقيم ومحترم) سؤالاً واضحاً: هل تشعر بالأمن أو بالخوف حين ترى رجل الشرطة؟ ستدهش حين تجمع الإجابات على هذا االسؤال لتجد أن حالة من الخوف تعتري المواطنين الشرفاء حين يرون رجل الشرطة بينما المفروض أن يشعروا بالأمن والطمأنينة. مما تقدم يتبين لنا أن الجهد العظيم الذي بذل في محاولة إعاقة تمديد قانون الطوارئ كان ينبغي أن يصرف في محاولة تغيير القائمين على تطبيق القانون في مصر ، محاولة تغيير القائمين على الحكم والنواب في مجلس الشعب ، فأولئك وهؤلاء هم كارثتنا الكبرى ، النظام الحاكم ، ومطيته القانونية والتشريعية المسماة نواب الحزب الوطني الذين يقفون صفاً واحداً لدعم الباطل وتأييد الانحراف ، والذين يحجبون أنوار الحق ويثيرون الغبار لتنعدم الرؤية ويجعجعون بأصواتهم الفظة ويعلو تصفيقهم الداعر ليغطي على أصوات المنادين بالحق والعدل والحرية ، إلى هؤلاء حقاُ يجب أن تتجه يد التغيير ، إن مجلس الشعب المصري صار مثالاً صارخاً للدعارة السياسية ، واعذرني على هذا اللفظ الذي لا أجد بديلاً له لأصف تلك الحالة الشاذة من التزاوج بين الدكتاتورية والطمع والجهل والانحراف الخلقي الفاضح ، هؤلاء يا سيدي هم من يجب أن تتجه إليهم أيادي التغيير يجب أن نحرم الحاكم من تلك المطية المريحة التي يمتطيها ليمرر من خلالها كل القوانين المشبوهة بينما يجلس في بيته مستريحاً مبتسماً ممسكاً بالريموت كنترول ليشاهد جلسات المجلس الكارثية ويرى بهلوانات مجلسه وهم يتناوبون تقديم الفقرات الهزلية ، ويتقاسمون العزف المنفرد ويتبارون في ظهار الولاء للحزب (العاكم) ولرئيسه المفدى. لقد مرر مجلس الشعب المصري قوانين أكثر هزلية وأكثر ضرراً بالمجتمع المصري من قانون الطوارئ ، فضلاً عن تغطيته على العديد من الاستجوابات التي قدمت في حق مسئولين فاسدين خربوا البلاد وانتهكوا حقوق العباد لتنتهي كل طلبات الاستجواب في حق هؤلاء بموافقة أغلبية الأعضاء (وهؤلاء هم أعضاء الحزب الوطني) على قفل باب المناقشة في الاستجواب والانتقال للبند التالي ، ليتم تبرئة القتلة ولصوص المال العام ومحترفي الخصخصة بفضل نواب الحزب الوطني ، وليتم التعتيم بل وإضفاء الشرعية على أعوان الصهاينة في أرض مصر الذين يسعون حثيثاً لشراء الأراضي والاستيلاء على الممتلكات تحت أسماء وهمية ، والذين يسعون لتخريب الزراعة والصناعة. في البلدان الحرة يحاكم مرتكبو تلك الجرائم من المسؤولين الكبار تحت قبة البرلمان الذي يحيلهم إلى القضاء ليظهر خيانتهم ولينالوا عقابهم أما في مصر فيقوم بهلوانات المجلس بإجهاض تلك المحاسبات في مهدها بمجرد رفع اليد عند إشارة من أحمد عز ومن قبله كمال الشاذلي ، ومصر ولادة ، فكما أنها تنجب لنا مصطفى كامل ومحمد فريد ، وزويل ، وشرفاء كثيرين ، فإنها أيضاً تنجب أمثال أحمد عز وكما الشاذلي وصفوت الشريف ، وعلينا نحن أن نقرر بأيدينا لا بأيدي غيرنا من يحكمنا ويطبق القانون علينا ، وحينها لن نكون في حاجة لمضيعة وقتنا في مناقشة تمديد قانون الطوارئ ، إذن فلنتخير القائمين على تطبيق القانون قبل أن نتخير القانون. أحمد البنا مصري مغترب