في حال فشل الانقلاب الدموي الذي قام به السيسي وجنرالاته فإن هذا لا يعني فقط تجاوز الأزمة الخاصة بمحاولة اختطاف ثورة يناير ، أو هزيمة الثورة المضادة بعدما وصلت لأوج قوتها. ولكنه يعني كذلك انهيار نظريات ترسخت في أذهان كثير من المصريين لفترات طويلة ، وتبدد أوهام وأفكار مغلوطة علقت بالعقل المصري جراء تزييف الوعي الممنهج من قبل الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة. أتناول هنا إحدي هذه النظريات التي ظلت لعقود تتردد في مصر والعالم العربي علي أنها مسلمات ، جمال عبد الناصر أوهم المصريين أنه منقذ البلاد والعباد من الإخوان والإرهاب ، ونجح في ذلك باستخدام الحشود المزيفة ، وبتوظيف الآلة الإعلامية القبيحة.
السيسي يكرر تجربة عبد الناصر بالحرف ، وكأنه يقرأ من كتالوج الانقلاب علي الإرادة الشعبية الذي أعده سيده في الخمسينات. ولكنه سيفشل هذه المرة لأسباب ليس من بينها أنه أخطأ في تنفيذ خطة عبد الناصر ، بل ما نراه أن كاهن المعبد الناصري حسنين هيكل هو من خطط وأشرف علي سيناريو الانقلاب "السيساوي" كما فعل في الانقلاب الناصري.
إذن الخطة واحدة .. وهي خطة الانقلاب علي الإرادة الشعبية ، والعقلية واحدة .. وهي العقلية العسكرية التي تتعامل بالقوة و"بالبيادة". والخلفية الفكرية واحدة .. وهي الفكر الناصري العلماني. والضحية واحدة .. وهم الأخوان المسلمون. الفرق الوحيد أن الأولي نجحت والثانية فشلت.
اليوم أخفق السيسي في انقلابه المشئوم بالرغم من أنه استخدم نفس وسائل جمال عبد الناصر ، وذلك بعدما اتضح للشعب كذبه وتضليله وشهوته لسفك الدماء. في الماضي لم ينتبه الشعب لذلك وانطلت عليه ألاعيب الستينات ، وسلم بالواقع المؤلم والمرعب الذي صنعته أجهزة البطش المخابراتية الناصرية.
النتيجة المباشرة لهذه المقارنة بين انقلاب عبدالناصر وانقلاب السيسي ، أن الأخير كشف زيف أستاذه الذي رباه علي الخداع والكذب. الشعب اكتشف ان السيسي كاذب وأنه يفترى علي الشرفاء الذين يعارضون الانقلاب ، وبقي عليه أن يعي أن عبدالناصر كان أيضاً كاذباً لما شوه الإخوان المسلمين ، وكان ظالماً لما سجن وعذب وقتل آلاف الشباب والشيوخ الذين وقفوا ضد مشروعه الكئيب.