ردود الفعل على دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي للاحتشاد يوم الجمعة كانت واسعة قدر اتساع الانقسام في المجتمع المصري الذي حدث مع نهايات العام الذي حكم فيه الرئيس السابق محمد مرسي، وتعددت التفسيرات والتأويلات لمغزى بيان السياسي، حيث رآه البعض طلبًا للتفويض بإنهاء الاعتصامات في بعض الميادين بالقوة، واعتبره البعض الآخر ترخيصًا بالقتل، واعتبره آخرون دعوة للصدام الجماهيري والحرب الأهلية، واعتبره آخرون ضرورة وطنية لإنقاذ الوطن من العنف اليومي والفوضى، وبالعودة إلى بيان السيسي نفسه نرى أن وجهة الدعوة هي إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل، أن يرى العالم حشودًا تعبر عن إرادة الشعب المصري حسب قوله، وشخصيًا فهمت من الخطاب أن الدعوة في جوهرها رغبة في أن يدرك العالم الخارجي أن القضية ليست قضية شعب ضد جيش، وإنما قضية انقسام شعبي تدخل الجيش لمحاولة إنهائها أو تحجيم مخاطرها، أيا كان هذا الاجتهاد بالتدخل صوابا أو خطأ حسب موقف كل حزب وكل تيار ، والحقيقة أن جزءًا كبيرًا من خطاب الإخوان في الفترة الأخيرة شخصن القصة كلها في الفريق السيسي، وكأن أزمة مصر هي الفريق السيسي، وكأن خصم الإخوان وحلفاءهم هو شخص الفريق السيسي، ولم يكن هذا تشخيصًا سديدًا ولا واقعيًا أبدًا، فالإخوان يواجهون بالفعل ملايين المصريين الذين يرفضون تجربتهم في الحكم والإخوان بالفعل يواجهون مستوًى عميقًا من الغضب والكراهية من معظم مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والدينية والقضائية والإعلامية، بوجود السيسي وبغير وجوده ، كما أن الشارع ليس حكرًا على متظاهري تيار دون الآخرين، فنزول الملايين المؤيدين للجيش حق مشروع قطعًا لا يمكنك سلبه من هذا القطاع من المواطنين، وليس بالضرورة دعوة للعنف بقدر ما هي إظهار لقوة حضورهم في الشارع وتقديمهم الدعم المعنوي للجيش في مواجهة الإخوان، وهي سنة سنها الرئيس مرسي والإخوان أنفسهم عندما كانوا يستدعون الحشود المليونية من أنصارهم للرد على احتجاجات المعارضة وكان الرئيس السابق يبارك الحشود ويثني على وقفتهم رغم أن بعض ما قيل في تلك الحشود كان كارثيا في عنفه وتحريضه على العنف ، ولم يصنف الإخوان وقتها ذلك باعتباره تحريضا على الحرب الأهلية أو مواجهات الدم في الشوارع ، وإذا كان الإخوان يريدون أن يبعثوا برسالة أن حشودهم يمكن أن توقف عجلة الحياة وتشل العاصمة أمام القيادة الجديدة من خلال قطع الطرق والكباري وخنق الميادين وحصار المنشآت وإجهاد الشرطة، فإن الملايين الأخرى من معارضيهم تملك الخيار نفسه حتى لو لم يكن الجيش موجودًا في المشهد، وكانت الحياة ستشل في مصر أمام الرئيس مرسي ويستحيل أن يتحرك خطوة واحدة لإنقاذ البلد أو قيادته إلا إذا لجأ إلى إجراءات قمعية ودموية وعنيفة ضد خصومه، وكان أنصاره يحرضونه دائما : اضرب بيد من حديد يا مرسي ، وهي نفس العبارة التي يرددها أنصار السيسي الآن مع الأسف ، وإذا صحت هذه الرؤية، وهي صحيحة قطعًا، فإن الأولى أن نبحث جميعًا عن مخرج آخر بعيدًا عن افتراض عودة الدكتور مرسي، لأن عودته في النهاية لن تحل شيئًا ولن تنقذ وطنًا، وربما تعقد الأمور أكثر وتجعل الصراع السياسي أكثر فوضوية ودموية وعنفًا في الشوارع والمؤسسات، ومن ثم، فأنا أثمن تحرك بعض عقلاء الأمة أمس، مثل مجلس شورى العلماء ودعوته إلى البحث عن مخرج عاقل وحكيم وسريع من هذه الأزمة، وكذلك فعل الرمز الإسلامي الكبير الشيخ عبود الزمر في دعوته أمس، والتي اتسمت بالعقلانية والهدوء النادر في مثل هذه العواصف، وبدون أدنى شك، فإن الحل سيكون في ضمانات خارطة المستقبل وموقع الإخوان وحلفائهم فيها وليس في محاولة إعادة أوضاع سابقة، ولو كانت إعادة الأوضاع السابقة حلًا وإنقاذًا لبصم عليها الجميع، ولكنها كانت جزءًا من الأزمة بل جوهرها ومفجرها، فلا يعقل أن يكون شرط الحوار أو الاتفاق الجديد هو عودتها، لا المصلحة الوطنية المجردة تفرض ذلك، ولا المنطق السياسي نفسه يبرر ذلك، اللهم إلا العناد. أدرك أن بعض الغموض حول خارطة المستقبل، وبعض الإجراءات التي صاحبت عزل الدكتور مرسي، ربما كانت سببًا أكبر في إثارة مخاوف الإسلاميين ورفضهم لما جرى وتشبثهم بعودة مرسي، ولذلك أعتقد أن أي فرصة للحل أو مشروع للمصالحة الوطنية سيكون معنيًا أكثر من أي شيء آخر بتفكيك هذه المخاوف وإعطاء ضمانات حقيقية وجادة على أنه لا تراجع عن المسار الديمقراطي ولا تجاوز للقانون ولا عودة للممارسات الأمنية الباطشة ولا مساس بأي مكتسب سياسي من مكتسبات ثورة يناير للجميع، أيضًا أتمنى أن تكون البيانات التي تصدر متحدثة عن الشرعية ومطالبة باحترامها ، تكون صادرة عن أحزاب شرعية وليست عن جماعات خارج إطار الشرعية الدستورية، لا معنى لأن يختفي حزب شرعي مثل الحرية والعدالة لكي تصدر البيانات الساخنة باسم جماعة الإخوان لتعطي الجميع دروسًا في أهمية الشرعية والحفاظ على الشرعية والدفاع عن الشرعية، لأنها هي ذاتها تفتقر إلى الشرعية الدستورية والقانونية، ربما تتكئ على شرعية تاريخية أو شرعية الأمر الواقع، ولكن عندما يكون محور النضال هو الشرعية الدستورية والدفاع عنها، فإن الأولى أن يقوم بذلك من ينتسبون إلى تلك الشرعية وينضوون تحت لوائها وليس الخارجين عليها أو الذين لا يتأسّس وجودهم وفقها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.