خرجت من مصر فى بداية التسعينات طريدا ولم تكن هناك سوى ليبيا التى يمكن السفر اليها بدون عقد عمل او تأشيرة للدخول --وقابلت من هم على شاكلتى من الاخوة العراقيين من اللذين هربوا ابان اواخر فترة حكم صدام وقبل الغزو الامريكى --فكانوا يهربون بجواز سفر (كاسب) اى تاجر لان صدام كان لايسمح بخروج الاطباء --وبرغم انهم يحضرون بجواز سفر كاسب الا ان الحكومه الليبيه كانت تسمح لهم بالتعاقد كأطباء بموجب مايحملون من شهادات --وتعرفت على زميل كردى عراقى شاب فى مثل سنى فى هذه الفترة --وله اخ قد كان سبقه بالهروب الى تركيا ثم الى المانيا -وزميلى هذا الذى يشاركنى فى السكن حتى فى الاسم فكان اسمه محمود جبار --كل هدفه من ساعة ماوطئت قدمه ارض الجماهيريه هو جمع مبلغ من المال ثم الحصول على فيزا للمجر وهى الدوله الوحيده التى كانت تعطى فيزا للعراقيين فى هذا الوقت - ثم بعد ذلك يهرب الى المانيا وبمساعدة اخيه يطلب اللجوء السياسى ويحصل على الجنسيه --وليس هذا بيت القصيد واشرت اليه فقط كمدخل للحديث ---لاننى حاولت معه ان يدرس ويحصل على دراسات عليا التى كنت بدأت انا فيها ايضا وان يحصل على شهاده تكون سلاحه فى الحياة -فكان يضحك بخبث بلهجة عربيه مكسورة أى شهادات ابو حنف ؟ دكتوراه طظ -الباسبور الالمانى او الامريكى او البريطانى اعظم من كل شهادات العرب --وكنت اظنه تعصب اعمى وكنت اعذرة احيانا لما يحمله للعرب من ضغينه وكثرة حكاياه عما فعل بهم صدام وتركيا وسوريا وايران وكل البلاد التى بها اكراد حتى المصريون المغتربون فى العراق لم يسلم منهم الاكراد على حد زعمه --وكنت اتغاضى عن هذا ولا اخل معه فى جدل يزيد من الم غربيتنا وطريق مقطوع بيننا وبين العوده لاوطاننا فهى غربة حتميه ولا محالة ولا طريق للرجوع وهذا فى حد ذاته احساس ابشع واسوأ صوره للاغتراب -- ودارت رحى الايام -وسافر هو كما خطط لنفسه الا انه قبض عليه على الحدود وتم ترحيله الى النمسا وسجن شهرا ثم حصل على جواز سفر نمساوى ثم ذهب الى بريطانيا واصبح جراح بعد ان حصل على دبلوم زمالة الجراحه البريطانيه ومازال يعمل هناك -- العبد لله ايضا مشى فى مخططه وحصل على شهادات فى الجراحة العامة ثم التخصص الدقيق فى جراحة التجميل ثم التخصص الادق وهو الجراحات الميكرسكوبيه وجراحة اليد -- وشددت الرحال من بلد الى اخرى كمقيم فى شنطة سفر -مرات للعمل ومرات للدراسة وفى غالب الاحيان كنت كقطرة ماء على حافة كوب ممكن ان تسقط بداخله وتستقر وتستكين او ان تسقط خارج الكوب وتتلاشى --وفى احدى مرات الترحال قابلت المحمود الاخر الذى اصبح اروبى الجنسيه -برغم انه وباعترافه انه اقل منى علما وخبرة بمراحل الا ان جواز سفرة اعظم من كل شهاداتى ولم لم يحمل غيره شهاده لكفته ان يعيش فى اى مكان وهو يحظى بالاحترام --وبعد ان فكرت فى حديثه وجدت هذا الواقع فعلا الذى اراه كل يوم فالممرض البريطانى يحترم فى دولنا العربيه اكثر من اكبر اساتذة الطب لمجرد انه بريطانى --ولماذا ينتحر الشباب ويضحون بارواحهم فى البحار على شواطىء ليبيا ؟ البحث عن الاحترام --نعم هى رحلة البحث عن الاحترام --وربما تعرفون ان مرتبات من يحصلون على تلك الشهادات الغربيه التى معظمها لاتساوى الورق التى طبعت عليه اكثر بكثير مما نحمله نحن من شهادات عربيه ؟اننا دول لاتحترم بعضها البعض كعرب وكمسلمين فلماذا نطلب من الغرب ان يحترمنا ؟ولقد عجبت من معاملة العربى للخادم او العامل المصرى او البنجلاديشى او السورى او السودانى لما فيها من مهانة وتحقير وكيف ينعم هذا الذى ذكرت فى بلاد الكفار بالحرية التامه والكرامة الغير منقوصه واحترام باحترام --وليست ادعوا الشباب الى الا انتماء او سلوك نفس طريق صديقى ولكنى ادعوا الحكومات العربيه ان تعيد للقوميه العربيه كرامتها وهيبتها وان يكون العربى لن اقول افضل من الاجنبى بل سواء بسواء -لان الجميع يبحث عن الاحترام -سواء بالجهد والعرق فى الحصول على شهاده ومركز علمى او مال ومركز اقتصادى او جنسيه تكفل له ذلك يطلق عليها الشباب (انا عاوز اخد جنسيه محترمه صرخة تحذيريه متاخرة لعواقب عدم الانتماء د/محمود عثمان صحفى وكاتب مقيم بالخارج [email protected]