لم يقل لنا جلال الطالباني من هي جماعات المقاومة السبع التي التقى ممثلين عنها في المنطقة الكردية خلال الأيام الأخيرة، وهي لقاءات قال إن الأمريكان قد حضروها، أو شاركوا فيها. يشار هنا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها طالباني إلى لقاءات جمعته مع فصائل المقاومة العراقية، فقد فعل ذلك غير مرة من قبل، لكننا لم نر بعد ذلك أية نتيجة على الأرض. من الصعب الجزم بحقيقة الموقف، لكن الأكيد أن طالباني يمارس الكذب على نحو مفضوح، ليس في هذا الملف فحسب، بل في مجمل حراكه السياسي، وهو يتحالف مع الأمريكان ولا يرى له حليفاً أو سنداً سواهم، أما المؤسف ضمن ذات السياق فهو قدرته على التلاعب بالكثير من الزعماء العرب السنة ، ممن باتوا على علاقة أكثر من ودية مع السفير أو المندوب السامي الأمريكي زلماي خليل زاد، وحين يكون الموقف على هذا النحو، فإن ما سيترتب على ذلك لن يكون مبشراً بحال من الأحوال. نقول ذلك لأن سياسيين كثر في العرب السنة لم يعودوا يخفون انحيازهم لمبدأ وقف المقاومة واستثمارها في اللعبة السياسية القائمة في العراق، وهي لعبة تضاف إلى نجاح زلماي زاد في شق صفوف الائتلاف الشيعي ، وإقناع بعض فصائله بعبثية وضع بيضها في السلة الإيرانية، لأن نتيجة ذلك هي تحالف الأمريكان مع الأكراد والعرب السنة ، واستعادة تجربة ثورة العشرين بحسب توصيفها من قبل النخب والمراجع الشيعية. لذلك كله يصعب على المحلل السياسي أن ينفي إمكانية أن يجد طالباني وزلماي زاد من يقدمون أنفسهم بوصفهم من قوى المقاومة لاعتبارات مختلفة، في ذات الوقت الذي لا يستبعد أن تكون القوى السياسية قد دخلت على خط بعض قوى المقاومة وأقنعتها بجدوى الحوار، وصولاً إلى بيع مقاومتها في سوق السياسة. لكن ما توفر من معلومات ما زال يؤكد أن المشاركين في الحوار ليسو من الجهات الفاعلة في ميدان المقاومة، وإنما هم مجموعات من الضباط البعثيين ، فضلاً عن بعض المقربين من الجهات المشاركة في العملية السياسية، والنتيجة أنهم هامشيين في سلك المقاومة، حتى لو توفرت لهم عناوين أو أسماء معروفة كما هو حال جيش محمد الذي ظهر في العام الأول للاحتلال ، ثم غاب عن ساحة الفعل الميداني بعد ذلك، مكتفياً بالبقاء في جولات التفاوض السياسي. ما لفت الانتباه فيما جرى تسريبه خلال الأيام الأخيرة تصريح الدكتور إبراهيم الشمري بشأن الحوار، حيث نفى مشاركة الجيش الإسلامي الذي يتحدث باسمه في الحوار المذكور (قيل إن جناحاً من الجيش قد شارك في الحوار) وحين يغيب الجيش الإسلامي يبدو من العبث الحديث عن قوى فاعلة مشاركة في ذلك الحوار، إذ من المعروف أن الجيش هو القوة الأكبر إلى جانب كتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين، وكلاهما أنكر، بل رفض الحوار المذكور، فضلاً بالطبع عن المجموعات التي تدور في فلك القاعدة ،وتلتئم تحت راية مجلس شورى المجاهدين وترفض الحوار من الأساس، ما يجعل بوسعنا التقليل من شأن ما جرى، أما حكاية السبعة فلا تعني الكثير في ظل توفر عشرات الأسماء في الساحة أكثرها هامشي الحضور. على أن ذلك كله لا ينبغي أن يقلل من أهمية هذه التسريبات وخطورتها، ومن ثم دلالتها على الحلقات القادمة من اللعبة السياسية، ذلك أن إطلاق شائعات كهذه قد يدفع بعض القوى إلى المسارعة نحو الحوار ، من أجل عدم الغياب عن موسم توزيع الكعكة، وهو جانب يرجح أنه لم يغب عن بال من سربوا أنباء الحوار. أما الأهم فهو الدلالة على أن عناصر كثيرة قد أخذت تتجمع في الأفق تشير إلى إمكانية جذب قوى المقاومة إلى العملية السياسة، وقد قلنا من قبل إن هذا البعد على وجه التحديد هو الذي دفع الزرقاوي إلى الخروج إلى العلن بشريط مصور، له كلفته الأمنية. الأسوأ من ذلك هو تلك الأنباء التي تتحدث عن موافقة بعض القوى السياسية العربية السنية على إنشاء أجهزة أمنية في المناطق العربية السنية ، مهمتها حفظ الأمن بديلاً عن قوات الاحتلال، ذلك أن أمراً كهذا سيحول المعركة إلى اقتتال بين العرب السنة أنفسهم، وسيمنح قوات الاحتلال فرصة الخروج من الشوارع نحو القواعد العسكرية، ما سيضرب برنامج المقاومة القائم على استنزاف قوات الاحتلال. إنه عبث لا بد أن يتنبه إليه العرب السنة، ولا بد من رفضه صراحة من قبل قوى المقاومة، حتى لو قيل إنها أجهزة أو قوات مهمتها حفظ الأمن والنظام، لأن الأصل فيها هو تحمل أعباء الأمن ، والوجه القذر للاحتلال عن الأمريكيين. ومن أسف فإن في أوساط السياسيين العرب السنة من بوسعه المقامرة بلعبة من هذا النوع بعد أن وضع بيضه في سلة زلماي خليل زاد الذي أقنعهم أن من مصلحتهم المشاركة في الأجهزة الأمنية بدل تركها للشيعة. ما ينبغي أن يقال هنا هو أنه ليس من مصلحة إيران ولا الوضع العربي أن ينجح زلماي خليل زاد ولا الطالباني في تدجين قوى المقاومة ، ودمجها في العملية السياسية، لأن ذلك سيجعله الحاكم الحقيقي للعراق بعد أن يستتب الأمن ويرحل الأمريكان نحو قواعد عسكرية تجنبهم عبء الاستنزاف المالي والعسكري. استمرار المقاومة مصلحة للعرب السنة، لأن بقاء الاحتلال ليس حلاً؛ لا لهم ولا للمحيط العربي والإسلامي الذي سيخضع للابتزاز بعد ذلك، مع العلم أن تجاهل الأمريكان لمعادلة الديمغرافيا ليس ممكناً بحال من الأحوال ، حتى لو قدموا بعض الهدايا للعرب السنة في هذه المرحلة. والخلاصة أن تسابق جميع الأطراف على حضن الأمريكان لن يفيد العراق وأهله، فيما سيترك البلد رهن الاستعمار، كما سيترك المنطقة برمتها رهن لعبة إعادة التشكيل لحساب المشروع الصهيوني الذي لم يبدأ مشروع الاحتلال إلا من أجله. المصدر الإسلام اليوم