هذا نداء للنفوس الغافلة وللقلوب اللاهية.. يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، هذا هو النداء الخالد لرمضان.. والمعنى الأسمى للصيام.. يفتح رمضان ساحات الرحمة والبذل والعطاء لكل الناس.. ما عليهم إلا أن يتعالَوْا على حظوظ أنفسهم.. ويتخلصوا من أسْر ذواتهم.. وعندها سيجدون أنفسهم في الفضاء الرحب لفعل الخيرات والتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل تحقيق السعادة للبشرية في الدنيا والآخرة. كيف لا، وقد رفعت كل الحواجز.. وحطمت كل الموانع.. وأصبح الطريق مفتوحًا لتحقيق الآمال والمنى؟ يأتي في لحظة فارقة من حياة الأمة الإسلامية بعد أن تحررت وملكت إرادتها، فأصبحت تمسك أمرها بيدها، وتختار حاكمها، رغم أن نفرًا من العلمانيين أبى إلا الظلم والاضطهاد والبغي، والكفر بكل المبادئ الخداعة التي صدعوا رءوسنا بها، الديمقراطية والتعددية، واحترام الآخر، والحقيقة أن هذه الوسائل لا قيمة لها إذا أتت بأي إسلامي، فالديمقراطية التي يبحثون عنها هي ديمقراطية تفصيل، لا تنتج إلا كارهي الفكرة الإسلامية. وهذا من رحمة الله بنا كي يتميز الصف، وتزال الغشاوة عن العيون الرمضاء، لعل المخطئين والواهمين يعودون. ولن يخذل الله أمة سعت لاسترداد كرامتها ونصرة شريعتها، ولن يتخلى أهل الحق والمواقف الثابتة الذين لا يتلونون ولا يتحولون عن نصرة الحق والشرعية مهما كلفهم ذلك، ودخول رمضان بشرى بقرب النصر وعودة الحق، وتأديب الخائنين، وفضح المتحولين، وكشف المتلاعبين. وحسبنا قول الله: "لا تحسبوه شرًا لكم". يأتي رمضان يبعث في الناس عزتهم ونخوتهم وكرامتهم. فقد روى الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقول للصحابة في أول رمضان: "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه.. فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم.. وتغل مردة الشياطين.. فيه ليلة هي خير من ألف شهر.. من حرم خيرها فقد حرم". كما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله: "رغِم أنفُ رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له". رواه مسلم. وروى الترمذي وصححه الألباني أنه (صلى الله عليه وسلم)، قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّار فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُ لَيْلَةٍ". فهذا هو موسم الخيرات والفضائل.. وفرصة التعويض للخسائر المتلاحقة.. فكم كان رمضان ربيعاً للطائعين.. وموسماً للتائبين.. قد تاقت إليه نفوس المؤمنين واشتاقت إلى لياليه دموع المتهجدين.. فكم فيه من راكع وساجد.. وكم فيه من تالٍ للقرآن وذاكر.. وكم فيه من مخبت وباكٍ. أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد فأد حقوقه قولاً وفعلا وزادك فاتخذه للمعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادماً يوم الحصاد ورمضان يأتي هذا العام بمذاق وطعم مختلفين.. وقد كتب الله لشعب مصر الحرية والكرامة وتخلص الشعب الكريم من حكم الطواغيت.. وبدت ثمار الخير والمشروع الإسلامي في النضوج.. وهذا يستلزم استحضار معانٍ أوسع لنفحات ومنح رمضان.. بل نحتاج إلى ترجمة حقيقية وشاملة للمعنى الذي عنونت به المقال: يا باغي الخير أقبل. فعلى جميع المصريين استحضار هذه الروح الطيبة الوثابة لتحقيق نهضتنا وعزتنا وكرامتنا.. وفي الوقت نفسه لا بد للجميع أن يقلع عن سياسة التخوين والتشكيك.. والطعن في النوايا والضمائر فهلموا شعب مصر الكريم نقدم الخير ونبذل الجهد والعرق.. ونتناسى آلامنا وآمالنا الخاصة.. تحقيقًا لرفعة أوطاننا. فيا باغي الخير أقبل.. فمصر تنتظرك.