أحرص على متابعة كل ما ينشره الدكتور نصار عبدالله، أشعر أنى أطئن على صحته من خلال ما يكتب، عرفته منذ سنوات طويلة كنت أترك فيها محاضرات ثقيلة الظل، لا تغنى من جوع ولا تمنحك بعضا مما ينبغى أن تعرف، أجلس معه، كنت مشاغبا تأخذنى فورة البدايات، وكان – ومازال –الأستاذ، والمعلم، والأخ، والصديق، الذى تخرج من تحت يديه عشرات من المبدعين والصحفيين والاعلاميين، كلهم ينتمون لنفس المدرسة، مدرسة نصار عبدالله. كانت مناقشاته تثرى دائما، اخرج منها وكأنى قرأت مجموعة كتب، دفعة واحده، لم يمل أو يظهر الضجر يوما، رغم أسئلتى الكثيرة ومناقشاتى، إنها طبيعة الكبار، كان رئيسا لقسم الفلسفة، ووكيلا لكلية الاداب بسوهاج لشئون الدراسات العليا، وقته ضيق ما بين المتابعات، والمحاضرات، لكنه يجد الوقت ليجلس مع تلاميذه – تشرفت بأن أكون من بينهم – يمنحهم من ثقافته وجهده، بل ومن معارفه، فلم يتردد لحظة في ترشيح أى طالب، للعمل في الصحف أو محطات التليفزيون، من خلال صداقاته الطويلة مع مسئوليها، وفعلها معى وأرسلني للعمل مع ماجد يوسف في قناة التنوير، بعد تخرجى بأيام. ونصار عبدالله نموذج لمثقف يسعى الى المعرفة أينما كانت، درس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في الستينات، في الدفعة التى كان من بينها هدى جمال عبدالناصر وعادل حمودة و ممدوح مهران ، عمل في البنك المركزى بعد تخرجه، كان يكتب الشعر ويكمل دراساته ، كون صداقات لا حصر لها مع مثقفين ومبدعين مصريين وعرب،- أمل دنقل كتب إحدي قصائده فى شقته وكتب عنها وعنه-، درس في كلية الحقوق وحصل على تقدير امتياز، ودرس الفلسفة وحصل على التقدير نفسه، وقتها قرر أن يكمل فى الفلسفة ويصبح أستاذا فيها لفلسفة القانون. لم أعرف عنه شيئا يقلل من شأنه، بالعكس كل ما يأتى عنه يرفع من قامته وقيمته، يجعل كل من حالفه الحظ وانتمى لمدرسته، يشعر بالفخر، لم يخش في الحق لومه لائم، ربما بحكم طبيعته، أو تربيته الصعيدية، وربما بحكم جيناته الوراثية، التى عرفت مصر منها عمه، المستشار ممتاز نصار، أحد أشرف وأنبل قضاة مصر ونوابها في مجلس الشعب، أيام ما كان فيه مجلس وكان فيه شعب، دخل في مشاكل كثيرة أتعبت قلبه، بسبب تمسكه بأفكاره التى يعلنها على الملأ . حكى لي يوما، أنه قرر أن يذهب الى لجنة الانتخابات، فى احد الاستفتاءات للتجديد للرئيس مبارك، كانت مرة نادرة قرر فيها أن يشارك بعد أن تصادف أنه كان فى بلدته البدارى يومها ، لكنه وجد اللجنة قد أغلقت ابوابها، اندهش، فالساعة لم تتجاوز الثالثة، ولا يوجد مبرر قانونى لاغلاق الباب قبل أن يدلى بصوته، أخبروه أن كل شيء قانونى، وأن كل الاسماء الموجودة في اللجنة أدلت بأصواتها، أصر على الادلاء بصوته فإذا بأحدهم يقول له يا دكتور اعتدنا عليك عدم الحضور وقمنا بالواجب، نعرف أنك معارض فصوتنا لك على أنك ترفض التجديد للرئيس مبارك، لكن ماذا يفعل صوت واحد بقية الاصوات. كان رجل الحزب يعرف مواقفه، كما يعرفها غيره، من مسئولين فشلوا في ضمه الى صفوفهم، تلك المواقف التى دفع ثمنها تجهيلا وتعتيما، بينما ظهر في الصورة أنصاف الموهوبين، وأرباع الكتاب والأساتذة، وأشباه الرجال الذين يتصدرون المشهد، هذا التجاهل لم يدفع ثمنه هو فقط بل دفع ثمنه مئات من الطلاب والمبدعين الذين كان يكفيهم معرفته لتظهر مواهبهم للنور، هو يعيش حاليا في سوهاج يدرس في الجامعة، ويبحث بعين كشاف عن طالب نابه يمنحه فرصة، أو صديق قديم يتواصل معه، بالمناسبة نصار عبدالله من أوائل من تعاملوا مع الكمبيوتر والانترنت، عندما ظهر ، لم يخجل فى أن يجلس ويتعلم. هذا هو نصار عبدالله، الشاعر، والاديب و، المثقف، والفيلسوف، والإنسان الجميل المتواضع، والعالم الذى يبحث عن المعلومة، بين عشرات الكتب ليمنحها مجانا لتلميذ نابه، أو طالب مجتهد، وهو الوفى لأصدقائه، الذى يود الجميع بحب، والمخلص لمشروعه الفكرى، دون أن يبيعه كما باع البعض، أو يخون مبادئه مع من خان، هذا هو نصار عبدالله الذى أصاب كل محبيه بالقلق، عندما دخل دار الفؤاد ليجرى عملية فى القلب، قبل ثلاثة أعوام، بالمناسبة كل مكالمة تجرى بيني وبين الكاتب بلال فضل، بعد السلام والتحية يسألنى اخبار الدكتور نصار إيه، رغم أنه لم يدرس على يديه، لكنها سيرته التى حملها تلاميذه، وجابوا بها في كل الأماكن. كنت أتابع ماحدث مع المصرى المسحول في لبنان، وزيارة نتنياهو للرئيس مبارك، وأشاهد فيديوهات ضرب المتظاهرين أمام عمرو مكرم، وصور المعتصمين في شارع القصر العينى، ومشاكل الاجور، وأحمد عز والبرادعى في ال CNN، وعشرات الاخبار التى أصابتني بالإكتئاب ، قررت أن أكتب شيئا جميلا، متفائلا، فلم أجد أجمل من الكتابة عن نصار عبدالله . [email protected]