جائزة اليونسكو للإعلامى عمرو الليثى وبرنامجه المحترم " واحد من الناس " تكريم صادف اهله وتقدير ذهب إلى من يستحقه ، ففى الوقت الذى إتجه كثيرون ممن يشتغلون بالإعلام إلى التفاهات والهيافات يضيعون وقت الناس دون فائدة تذكر بدعوى الفن والرياضة والترفيه ظنا منهم أن الجمهور " عاوز كدا " ، وفى الوقت ذاته يغازلون السلطة وينأون بأنفسهم عن سخطها وغضبها على الإعلام وأهله عندما يعرض الواقع القبيح دون تجميل أو تزييف بزعم أن من يفعل ذلك لا يرى نصف الكوب المليان ، إختار الاستاذ عمرو نصف الكوب الفارغ طريقا وعرا مليئا بالحفر والمطبات ، مدافعا عن الضعفاء المعدمين ومتحدثا بإسم المسحوقين تحت أقدام التحالف الشيطاني بين السلطة و كتائب رأس المال ، وهوتحالف أنانى زاحف كالجراد يجتاح فى طريقه الأخضر واليابس من ثروة وطن يفترض أن أبناءه جميعا شركاء فيها بحكم المواطنة ، ثروة لا يجوز شرعا ولا قانونا ولا دستورا ولا إنسانيا أن تنفرد بغالبيتها شريحة ضئيلة من أبنائه جاوزت حد التخمة من زمن بعيد بينما تحرم نسبة كبيرة من حقها فى أبسط ضروريات الحياة الآدمية الكريمة من مسكن لائق وشربة مياة آمنة ورعاية صحية مناسبة ، كشف الليثى فى حلقاته المتتابعة عورة ثلاثين عاما من إحتكار وإنفراد الحزب الوطنى بالسلطة عندما نزع ورقة التوت عن البنية التحتية التى كان النظام بحكوماته المتعاقبة يعتبرها أعظم إنجازاته ويباهى بها خصومه طوال عمره المديد ؛ فجاء برنامجه وفضح هذه البنية فظهرت سوءتها وبانت للأعين شاحبة ضعيفة هزيلة ، فمياه الشرب الملوثة والصرف الصحى المنعدم وغياب الحقوق الأولية هو القاسم المشترك فى كل حلقات البرنامج ، كان الليثى موفقا إلى حد بعيد وهو يختار اسم البرنامج ، وكان ذكيا وهو يحدد الشريحة المستهدفة لبرنامجه من المنسيين الذين يعيشون أسفل خط الفقر فى وقت أصبح لا صوت يعلو فيه على صوت رجال الأعمال ورأس المال وتريد الحكومة أن تهرب من إلتزاماتها نحو هؤلاء على حد تصريح أحد أقطابها أن الحكومة لم تعد ماما ولا بابا ، وكان الليثى مقنعا ومايزال وهو يقترب من هؤلاء ويكتسب ثقتهم وحبهم ببساطته وتواضعه وصدقه ، فهو لا يعتمد على المراسلين ولكن ينزل بنفسه إلى مقصده ، فتراه يجلس إلى جوار إمرأة عجوز تعانى الوحدة والفقر والمرض ويسألها بلهجة ودود ونظرة حانية مم تشتكين يا أمى ؟ ويستمع إليها بصبر وأناة ، ونكتشف معه أننا أمام نماذج لا يمكن أن يتخيل أحد أنها موجودة فى مصر 2010 التى يصل راتب البعض فيها وهم كثير إلى عدة مئات من آلاف الجنيهات ، مصر التى أصبح الحديث فيها عن المليارات المهدرة والمنهوبة والمسروقة حديثا عاديا كأن المليار ليس ألفا من الملايين ، ، فالمرأة تعيش على ثمانين جنيها شهريا ، وأخرى ليس لها دخل إلا عطايا المحسنين وأهل الخير ، يحدثها وهو يتجول بنظره فى أرجاء غرفتها المتهالكة التى يكاد سقفها يخر من فوقها أثناء الحوار ، ثم يسألها برفق رغم أن الحال يغنى عن السؤال وماذا تطلبين منى ؟ هل لك حاجة فأقضيها لك ؟ فيكون الرد فى الغالب هو حمد الله وشكره ، مع أن الله لا يرضى هذا الظلم من الإنسان لأخيه الإنسان ، ولو علمت المسكينة حقها هى ومن هم على شاكلتها لتوجهوا بحديثهم ومطالبهم وشكواهم شطر الجهة الصحيحة المسئولة عما هم فيه أولئك القساة غلاظ القلوب منعدمى الضميرالذين تولوا أمرهم وجثموا على صدورهم ثم غفلوا عنهم ، شاب آخر من " نجوم " البرنامج تعبرحالته تعبيرا بليغا عن حالة التعليم فى مصر ؛ فهو خريج آثار بتقدير مرتفع ، يعمل عاملا فى المجارى ، العمل الذى وجده فى طريقه وهو يسعى ليكف نفسه ومن يعول عن ذل السؤال ، صادفته فرصة عمره بمقابلة البرنامج الذى نجح فى رد اعتباره و إلحاقه بالعمل فى مجال تخصصه بهيئة الآثار ، لكن، فمن للآلاف المؤلفة غيره التى خدعها مكتب التنسيق وخانها عندما وضع على خريطته أماكن بتخصصات لا يحتاجها سوق العمل ؟ ومن للملايين من أصحاب الحاجات ؟ هل يجب على كل صاحب حاجة أن يبحث له عن برنامج لحلها وماذا تفعل المؤسسات إذن ؟ قبل ظهور " واحد من الناس " لم يكن لمشاكل المهمشين والمعدمين فى الإعلام نصيب يذكر فكانت تعرض متناثرة متباعدة قد تتخلل برنامج هنا أو هناك ، لكن الجديد الذى يحسب لعمرو الليثى أنها المرة الأولى على حد علمى التى يتخصص فيها برنامج تلفزيونى فى مشاكل الطبقات الدنيا فى المجتمع ، يحل أفراد هذه الطبقة ضيوفا دائمين عليه ، يجدون من يستمع إليهم وينقل شكاواهم ويفتح لهم باب الأمل فى حلها ويسعى إلى ذلك سواء عن طريق الإتصال بالمسئولين الذين يقع عليهم وزر هذه المآسى ، أوعن طريق تحريك الخير الساكن لدى أصحاب القلوب الرحيمة والفطرة السليمة من الموسرين الذين يشاهدون البرنامج من منازلهم ويتفاعلون معه بتقديم المساعدات العينية والمادية ، لكل ما سبق من حيثيات ربما يوافقنى البعض على أن عمرو الليثى يعتبر بحق رائدا لإتجاه جديد ومؤسسا لمدرسة جديدة فى الإعلام المصرى يمكن أن نطلق عليها دون مبالغة " إعلام من أجل الفقراء " فهنيئا للأستاذ عمرو إختياره الانحياز للضعفاء والفقراء ، وإذا صلحت النية فمن المؤكد أنه قبل أن يحصل على جائزة اليونسكو كان قد حصل على جائزة أعلى قيمة و أرفع قدرا وأكثر وأعظم وأبقى أثرا ، فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام " ابغونى فى ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " صححه الألبانى ، علاوة على جائزة حب الناس ودعواتهم ، الناس الذين يعرفون من معهم ومن ضدهم ، ويميزون بين من ينحاز إلى مصالحهم قولا وفعلا ومن يدعون ذلك بينما تكذبهم أفعالهم طول الوقت .