سلامٌ على إبراهيم لم يسعدني الله تعالى بلقائه؛ لكنني أحببته على البعد.. لم أره، لكنني أطمع أن أراه في الجنة، فاجأني - كما ذكرت الأسبوع الماضي - أنه كان رائدًا سباقًا مرضيًّا.. فجاءت هذه المسامرة برهان محبة في الله تعالى، ودعاءً للشيخ الصالح إبراهيم عزت عليه رحمة الله ورضوانه، فشاركني قارئي المسامرة والدعاء.. عسى الله أن يتقبل مني ومنك: (1) ** أنا لا أعجبُ أبدًا ؛ فالله قدير أنا لا أعجبُ أبدًا .. من لطفِ التقديرِ وحسنِ التدبير إن شمِلَ اللهُ بعينِ الحبِّ عُبيدًا فتَّح مشكاواتِ النورِ بقلبهْ سخَّرَ كلّ الكون لِحُبِّهْ زرع الودَّ له بشغافِ نفوسِ الأطهار سخّر لكرامتِهِ دعواتِ الأبرار الله تعالى إن أكرمَ عبدًا عَسَلهْ اختار له خاتمةً حسنى.. أعطاه مقامًا أسنى.. نقّاهُ وغسَله فهنيئًا ومريئا (2) ** أنا لا أعجبُ؛ لكني أغبطُك حبيبي من لي بالمِيتةِ هذي؟! من لي بالحظوةِ هذي؟! من لي بطريقٍ يأخذ بيدي حتى روْضات الجنات؟! يا إبراهيمُ هَويْتُك في ظهر الغيب ماذا أفعلُ يا حِِبِّي في فعلِ الحب؟ هل أملكُ يا إبراهيمُ ميولَ القلب؟! أنا لا أملكُها.. لكني يا حِبي أطمعُ أن ينفعني الحب (3) ** اسمع.. دعني أتعجل شيئًا من ثمنِ هوايَ الآن إن فؤادي - وأنا مقروءٌ - لا يُبذل بالمجان اسمح لي يا خلي أن أجلسَ برحابِك ساعةَ أنسٍ أفرِغُ فيها بعضَ همومِ النفس أستأذنكَ فجالسني آنِسني/ حاورني سامِرني/ خبِّرني بصِّرني طمئني : كيف وجدتَ العقبى في كنَفِ الرحمن؟! هذا ثمنُ هواي الآن (4) ** ماذا قلت؟ طبعًا.. لا شكَّ يراودني أبدًا كنتَ مصيبًا فيما قررتَ ودبرتْ؛ فكلُّ كلامِك حكمة لم يزل الباطلُ يغتالُ الكِلمة لم يزل القبحُ بقبضتِه الوحشيةِ يخرِقُ للحسنِ وللحريةِ مليوني تهمة ! لم يزل الزورُ يؤصِّلُ فينا للعتمة أوَ يعشق أسدافَ الظُّلمةِ غيرُ الوزَغِ وغيرُ الديدان؟! (5) ** معذرةً؟! ماذا قلت؟ صدقتَ صدقتَ حبيبي؛ يمكن للجلادِ بأن يمتلكَ الأجسادَ ولكن أنى للسوْطِ بأن يتحكمَ بالروح؟! أنى للشرِّ بأن يمنعَ رفرفةَ الشوقِ إلى أعلى علِّيين أن تستشرفَ روحُ المسلم روضاتِ الجناتِ وتهفوَ لختامِ المِسك؟! أن تشربَ من تسنيم؟ أنى للديجورِ بأن يمنعَها استرواحَ النورِ ولألاءَ الحورِ العين؟ هل يقدر أن يخنقَ أشواقَ القلبِ عن التطوافِ بأرجاءِ المُلك؟! هل يحبسُ صبواتِ الروحِ لجناتِ نعيم ْ؟! لا يا حبي .. لا يقدرُ.. واسأل نفسك ! (6) ** دنيانا؟ ياااااااه ! ليتك تسأل عن شيء ذي بال! لا تسأل عن دنيانا.. واحمَدْ ربَّك يا مولانا لم تزلِ الغربانُ تقيمُ منائحَها وأفاعي الظلماءِ الرقطا لا تفتأ ترسلُ للعزّلِ والبرآءِ جوائحَها لم يزل القبحُ يعرِّش فوقَ رؤوسِ الناس لم تزل الأغلالُ الصماءُ تكبِّلُ ألسنةَ الناس في دنيانا لم يزلِ الظلمُ يدوسُ بقدم ِالبطشِ إراداتِ الناس لم يزل المالُ إلهَ الناس لم تزل الصولةُ للوسواسِ الخناس لم يزلِ الجبارُ الغاشمُ يلوي أعناقَ كبارٍ يجدون الموتَ على حقك أحلى ملياراتِ المرات من طولِ حياةٍ يرسمها الباطل ويقدمها للمحرومينَ وللمقموعين دواءً.. إكسيرَ ممات ! (7) ** ماذا؟ لا لا .. ليس الأمر كما تتوهم أو تدري يا إبراهيم؟ القومُ بزمنِ القبحِ وزمنِ الذلةِ هذا باتوا مختلفين ! هل تذكر لما بُهِت النمرودُ إزاءَ حقيقةِ أن الشمسَ عصية لا تطلعُ من مغربها إلا يومَ الدين؟! اضحك يا حِبي أو فابكِ: النمرودُ الآنَ ومَلأُ النمرودِ بدون عيون كلُّ نماردةِ الدنيا لا يتعظون كلُّ نماردةِ الدنيا لا يُعنَون بآخرةٍ أو جناتٍ أو نيران كلُّ نماردةِ الدنيا لا يخشوْن الجبارَ الديان النمرودُ الآن ومَلأُ النمرودِ يصرون حتى لو أفل الكوكبُ غابَ القمرُ وخَبتِ الشمسُ بأنهم المهديون المرضيون أنهمُ يُحيون يُميتونَ ويُعطونَ ويُرجَوْن ولا يَرجون! أنهمُ مقتدرونَ على إطلاع الشمس من المغربِ واستنباطِ العطرِ من الغسلين أنهم أولى أن يُعبد باطلُهم من دون الديان! أو تدري يا إبراهيم؟ لم يزل الحمقى فوق مذابح أصنامِ الكبرِ بِعَمَهٍ محنيين! أو تدري يا إبراهيم؟: لم تزل الدنيا تحتاجُ لمثلكَ حتى يدعَ الأصنامَ جُذاذًا مَحطومين أفٍّ للباطلِ يا إبراهيم! أفٍّ حين يرى النمرودُ الكفرانَ هو الأوْلى حين يرى فرعونُ الظلماءَ هي الأجلى أو تدري؟ لم تزل الظُّلمةُ تَعبدُ إفكًا آلهةً من دون المولى إني أَغبِطُك على نعمِ المنان لا يتناسخ كلَّ صباحٍ عندَك آلافٌ من فرعونَ وقارونَ وهامان! لا تُمضي ساعاتكِ في رؤية بِرك الدم أو في العجز المفرطِ والمحبطِ عن قمعِ الطغيان عن رحمةِ أوجاعِ بني الإنسان فلتهنأ - والله حسيبي وحسيبُك - في الملأ الأعلى أو تدري يا واضحُ يا فاضح أن الزور الآنَ هو الأعلى ّ؟ أولم أخبرْك بأني أغبطُك على أن طرتَ إلى دارِ الحق؟ (8) ** أذكر جدًّا بالتأكيد حين لربكَ أسلمتَ أمانتَهُ أذكر جدًّا كيف تيقنَ ذاك الراحلُ أن الركبَ إذا بدأ مسيرتَهُ لن يرجع ثانية أبدًا حين هتفتَ تناجي ملَكَ الموتِ بأشواقٍ لهفى: (أغمِضْ عينيَّ ولَقِّنِّي إسم حبيبي فأنا سأموتْ سأعود إليهِ أنا المشتاقُ إلى لقياه والحورُ أُراها تخفي الطرْفَ بطرْفِ الثوب وأشمُّ مع العطر شذاها)! بالتأكيد أذكرُ لما هرب المسجونُ من القضبانْ عبَر الأسوارَ ولم يدركْه السجان أذكر حين أدار الطائرُ للدنيا ظهرَه داس على زُخرُفِها ومباهجها لم يرضَ بها شيئًا يثنيه عن الطيران عن إطلاق الأجنحةِ تُجاه مصابيحِ العرش أن يسكن بحواصل طيرٍ خُضر حوّامٍ في جناتِ الربِّ الرحمن حين توضأ لصلاة التوديعِ ونفّضَ كفيه جميعًا من رَهَج الباطلِ لم يرهبْ سكينَ الغدرِ الخاتلْ وأدار الوجهَ إلى مولاه لا يبغي إلا أن يلقاه أذكر جدًّا لما عزف الطائرُ تغريدًا لا يطلقه إلا في لحن رحيل! (9) ** مهلاً .. أوَ لا تلحظ؟! لم لا تنصفُني يا إبراهيم؟! تسألني أكثرَ مما أسألُك حبيبي والوقتُ ثمين من حقي أن تخبرني: أوَ بَقِيَتْ بعدُ جوارحُك بشوقٍ للسيدِ والمولى؟ أو يتشققُ في صدرِك حتى حينِك هذا موطنُ خضرةِ قلبِك؟ يحتاج من النورِ الفياضِ من النَّضرةِ والنَّظرةِ ما يَنقَعُ غُلةَ ظمئِك؟ أوَ حتى حينِك هذا تطلبُ بعضَ ندًى أو قطراتٍ من مُزْنِ الرحمة؟ أوَ ذقْتَ الذوبَ بلحظات وصال؟! هل شاقتك الخضرةُ في دربكَ حيث يغيبُ تمامًا كلُّ جفاف؟ أوَ ضاءت بالقلب الإشراقةُ تشملُك بمسكِ ختامْ؟! هل وحدَك تمشي هَونًا بعدَ طويلِ رحيلٍ دونَ زحام أو ألقيتَ لدى الرحمنِ عناءَ مسيرْ؟! قل لي : أو تشتاقُ هشامًا ونهاد؟ لم يعد الغِرُّ ينامُ على زند الوالِد وشريكةُ دربِك تشتاق لدفءٍ بعد صقيعْ تهفو لعروجٍ نحو ربيعْ نحو السندس والإستبرقِ والقصبِ ودارِ كرامة هيأها بيديه الرحمن (10) يا الله؟ أو تدري؟ إني والله لمتعب؟ إني أشتاقُ لروْحٍ ولريحان الدنيا يا حِبّي صندوقٌ مملوء بالأحزان لم نجن من الدنيا إلا أدرانًا تعلوها أدران ! أوَتدري ما أتشهى الآن؟! أن أغمضَ عينيّ وأهتفَ مثلَك باسم حبيبي فأنا مشتاقٌ لهفان أتشهى مثلَك إشراقةَ رضوان ذكرَ رضًا أتشهى حسنَ ختامٍ أتشهى قطراتٍ من مزنِ الرحمةِ تغسل من قلبي حَوبي وتفرِّجُ كربي تطلقني من أسرِ الطين لأطيرَ أطيرَ أطيرَ أطيرَ إلى ما فوق الفوقِِ إلى عليين محمولاً في جوفِ الطيرِ الفردوسيِّ الأخضر فهل في رأيِك أتعدى أو أستكثر؟! لا ... لا.. هل أنسى فضلَ اللهِ الأكبرْ؟! يا رب عطاؤك أكثر يا رب ومنُّك أوفر يا رب وأنت الأقدر يا رب وأنت الأعلى يا مولي .. يا برّ.. يا رب اجمعني في الفردوسِ بإبراهيم!