تتوقع مؤسسة استخبارية استراتيجية أميركية هيمنة إيران على العراق بعد انسحاب القوات الأميركية هذه السنة. وأوضحت أن طهران ستهتهم بانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية من العراق ومن شبه الجزيرة العربية. وتعتقد المؤسسة أن إيران لن تقوى على غزو العراق عسكرياً. وقالت إن مشكلة الجيش العراقي، لا تكمن في القوة والتسليح والتدريب، إنما في "الولاء". ويقول الخبير الأمني جورج فريدمان، المدير التنفيذي لمؤسسة "ستراتفورد" للاستخبارات الستراتيجية: لقد خلقت الولاياتالمتحدة بغزوها للعراق، وضعا اصبح فيه الجيش الايراني أقوى قوة مسلحة في إقليم الخليج، لاسيما بعد أن تحوّلت الحرب من مهمة قصيرة الى "حرب طويلة". أما انسحاب القوات الأميركية، فإنه يعني أن الإيرانيين سوف يهيمنون على العراق. وهم لن يقوموا حقيقة بغزو العراق (الجيش الايراني لديه قدرة محدودة في التخطيط لإرسال قوات بعيدة عن حدوده في كل الأحوال). ويرى الخبير أن الإيرانيين سيهتمون بانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية حاسمة من العراق وشبه الجزيرة العربية معا. ويقول فريدمان قوله في تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز بترخيص من المؤسسة الاستخبارية: تمثل إيران بعيدا تماما عن إمكاناتها النووية التي لم تتوسع بعد، تهديدا ستراتيجيا عميقا لميزان القوى في الخليج. ومع افتراض ان يتم حل الموضوع النووي غدا، سواء دبلوماسياً أو من خلال الهجوم، فان المشكلة الاستراتيجية ستبقى بدون تغيير، إذ أن المشكلة المركزية، تقليدية وليست نووية. ويشير الخبير الأمني الى أن الولاياتالمتحدة خططت لاستكمال سحب قواتها القتالية في هذا الصيف، تاركة وراءها قوات متبقية من حوالي 50 ألف جندي للدعم الشخصي، بحسب تعبير فريدمان. وهذا التخفيض يستند الى خطة وضعها الرئيس السابق جورج بوش في سنة 2008، وسرّعها الرئيس باراك اوباما خلال شهور من بدء ولايته. وبالتالي فان ذلك ليس موضوعا سياسيا، لكنه واحد مما تم الإجماع عليه. وسبب الانسحاب أن هناك حاجة للقوات الأميركية في أفغانستان. والأكثر أهمية ليس للقوات الأميركية احتياطي للقوات الأرضية. وقد قاتلت في مسرحين قتاليين متوزعين لسبع سنوات. وإذا تطورت أزمة أخرى في مكان آخر في العالم، فإن الولاياتالمتحدة ستفتقد القوات الأرضية للرد بصورة حاسمة. وتجنب هذا الوضع الاحتمالي -بحسب خبير مؤسسة ستراتفورد- يتطلب سحب القوات الأميركية من العراق، ولكن ببساطة فان التخلي عن الخليج للقوة السياسية والعسكرية الإيرانية ، يمثل ايضا وضعا خطيرا للأميركيين. وبالتالي ، فان الولاياتالمتحدة يجب ان توازن حقيقتين غير مقبولتين.ومن جانب آخر فإن الولاياتالمتحدة -كما يقول فريدمان- بلد يؤمن بالتدريب، وقد استخلص جهودا جبارة لبناء جيش عراقي وقوة شرطة قادرين على السيطرة على العراق. وقد حاول الأميركيون ان يشربوا فكرة " الاحتراف " لقوات الأمن العراقية، والذي يعني في السياق الاميركي قوة قادرة تماما على القيام بمهامها والتحضير لفعل ذلك إذا اصدر قادتها المدنيون الأوامر. وكمحترفين فانهم المختصون بالحرب والأمن.ويتابع الخبير الأمني قائلاً: لكن قد يكون السؤال الأساسي عن أية قوة عسكرية هو الولاء. وفي بعض الجيوش قد ينضم المرء ليحصل على الرزق ، يسرق ما يستطيع، لكي يعيش. وفي جيوش أخرى، فان الولاء الأساسي ليس للدولة، إنما الى مكون في لبلد ، سواء كان دينيا أو عرقيا أو جغرافيا. ولا أحد ليتخلى عن حياته للدفاع عن الدولة التي قد لا يبالي بها أو حتى يعاديها، ولا يهم الأمر كيف انه تدرب بشكل جيد في استعمال سلاحه أو كيف تم تحضيره بشكل جيد بشأن موضوع المسؤولية المهنية. ولا شيء من هذه الظروف يسمح بإقامة جيش ناجح في النهاية. والرجل فيه من اجل نفسه لن يذهب الى طريق مؤذ إذا استطاع المساعدة. والرجل في الجيش لحماية عشيرته لن يموت لحماية هؤلاء الذين لا يدين لهم بالولاء. وقد درب الجيش الاميركي عشرات الآلاف من العراقيين ، والأميركيون مدربون ممتازون . ولكن المشكلة ليست في التدريب، إنما في الولاء. والاحتراف لا يشرب لأي أحد للتضحية الذاتية لشيء غريب عنه. وهذا هو التحدي الذي تواجهه الولاياتالمتحدة في الحكومة العراقية.