يثور المقهورون لكنهم يجهلون آلية تحقيق مطالبهم على أرض الواقع؛ فالذين خرجوا فى 30 يونيه مُحتمين بقوة الحزب الوطنى السابق وامتداداته بعدَ أن أعيتهم الحِيل لا يدرون بماذا يُطالبون والغد لديهم مجهول، لذلك من الصعب أن يتمسكوا بمواقعهم أو الاستمرار بالضغط على النظام كى يرحل. سرقة الثورة من داخلها تكتمل إذا استغل فصيل من فصائلها الأحداث وفرضَ نفسه بالقوة، وقدم رموزه كبديل للكل كما حدثَ فى ثورة يوليو 52، لكن هذا لم يحدث اليومَ لنقول إن الإخوان سرقوا الثورة؛ فبالرغم من كل شىء لا أحد ينكر أن وصولهم للسلطة كان من خلال استحقاقات انتخابية صحيحة؛ وحاولوا الوصول إلى صيغة توافقية وفشلوا، لكن يبقى الخلاف والاعتراض على أدائهم فى السلطة، والذى كان مخيباً لآمال الجميع بمن فيهم حلفاؤهم من الإسلاميين. القوى الإسلامية لا تخشى سقوطَ الإخوان بقدر ما تخشى انهيار الثورة وضياع مكتسباتها القليلة، بوقوعها فى قبضة الحركة الانقلابية القوية التى يقودها بشراسة نظام مبارك، فتخسر البلاد نعمة الحرية ومعها تضيع كل فرص التغيير سواء بالإسلاميين أو بغيرهم. وتخشى هذه القوى أيضاً أن تقع الثورة فى قبضة قوى أثبتت المواقف أنها إقصائية وشديدة العداء والكراهية للمرجعية الإسلامية وأصحابها، بالرغم من اشتراك الجميع فى إنجاح الثورة، إلا أن تجارب التاريخ تقدم نموذجين لا يزالان يشيعان الرعبَ فى النفوس لفصائل شاركوا فى الثورات ثم انقلبوا على قيمها ومارسوا أقسى صور الاستبداد والتنكيل بشركائهم؛ الأول هو الثورة الشيوعية الروسية التى انهارت بعد أكثر من سبعة عقود من الحكم بالحديد والنار والقهر، والثانى الثورة الإيرانية التى تلبست زوراً بالرداء الإسلامى، وهى أبعد ما تكون عن تعاليم الإسلام وفلسفته فى الحكم، وهذه الأخيرة لا تزال حاكمة إلى يومنا هذا بالقهر لشعبها الذى مهد لها السبيل واستقبلها بالورود، فأحرقت الأرض من تحت قدميه وحبسته خلف قضبان الحديد. أطياف الثورة من الطبيعى أن تتنافس سياسياً بعد الانتهاء من القضاء على رءوس الاستبداد؛ فالمطلب الثورى متفق عليه، أما المطلب السياسى ففيه بحبوحة من الخلاف والتنوع، ومن فى كراسى المعارضة اليوم غداً يكون فى كراسى السلطة بحسب آليات التداول السلمى؛ أما الخطيئة الكبرى التى لا تغتفر، فهى ما فعلته المعارضة المصرية التى ارتضتْ أن توقعَ تحالفاً قذراً بالدم مع مصاصى دماء وثروات الشعب ومع رموز النظام الذى أذاق المصريين الويلات للانقلاب على الحكم القائم، بسبب الخلاف الأيديولوجى والفكرى معه وعدم صبرها سنوات قلائل حتى يأتى موعد التغيير الطبيعى، فتقول الجماهير كلمتها من جديد. هكذا ورطتْ المعارضة نفسها فى جرائم نظام مبارك ضد الشعب الثائر، وارتضى قادتها أن يتلوثوا بدماء المصريين البريئة، طمعاً فى سلطة زائلة، كانت ستأتيهم عما قليل مع بعض الجهد والتواصل والتفاعل الجماهيرى وطرح الرؤى البديلة. والأسئلة المطروحة الآن فى الشارع المصرى بعد هذا مشهد الأحد الذى شرح ملامح التوازنات بدقة وكشف مواقع وشكل التحالفات التى ربما ستستمر لفترة طويلة. فما البديل الذى تملكه المعارضة بعد أن فشلت اقتصادياً عندما جرب الشعب رموزها ووزراءها فى الحكومات التى شكلت أثناء ولاية المجلس العسكرى؟ وبعد فشلها سياسياً أيضاً، حيث أثبتتْ أنها صورة مصغرة من استبداد نظام مبارك وتصوراته المشوهة للديمقراطية. ومتى وكيف ستعود الثقة بين المعارضة من - ليبراليين ويسار وناصريين – والإسلاميين بعد أن طعنتهم من الخلف وتعاونت مع العدو التاريخى للمصريين وتعاونت على قتلهم. المظاهرات المعارضة كانت تخرج بحرية، أما المؤيدة فيُطلق عليها الرصاص، ومقرات الإخوان تُحرق، وشبابُ الإسلاميين يُقتلون. هذا لسان حال المعارضة التى فشلت فى الوصول من أول مرة عبر الصناديق، فلتصلْ إذاً على دبابة نظام مبارك. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.