تدرس حكومة الدكتور أحمد نظيف هذه الأيام مشروعًا طرحه الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي ، يقضي بإمدادها بحوالي 480 مليون يورو لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الريف المصري. واشترط الاتحاد الأوروبي لتقديم هذه المساعدات الاستغناء عن دور هيئة الرقابة الإدارية التي تقوم بالرقابة على مثل هذه المشاريع، وإسناد هذا الأمر لجهاز رقابي أوروبي سيتم إنشاؤه لهذا الغرض تحت اسم (OLAF). وبرر مطلبه باستشراء الفساد الحكومي في مصر ، والذي كشفته تقارير منظمات دولية للرقابة والشفافية عن نشاط الحكومة المصرية وانتشار جرائم إهدار المال العام والرشوة والاختلاس والسلوك الشخصي والأخلاقي المشين لكبار المسئولين المصريين. من جانبه ، توقع الدكتور سعد المتولي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن تخضع الحكومة للرغبة الأوروبية، مما يؤدي إلى فضح عورات الحكومة المصرية أمام العالم، خاصة الجزء الثاني من مشروع التعاون الاستثماري والمالي بين مصر والاتحاد الأوروبي والذي تقدر تكلفته بحوالي مليار يورو يطالب بشروط تعسفية أكثر. ومن هذه الشروط إنشاء هيئة جديدة لمكافحة الفساد ذات مواصفات ومعايير عالمية، تحيل إلى الاستيداع كل الهيئات الرقابية القائمة مثل (هيئة الرقابة الإدارية مباحث الأموال العامة الجهاز المركزي للمحاسبات المدعي العام الاشتراكي)، وكذلك إنشاء جهاز رقابي خاص لمراقبة الشخصيات التي تحمل حصانة تشريعية أو دبلوماسية أو قضائية. وكان التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء القضائي التابعة لوزارة العدل قد كشف مؤخرًا عن استشراء الفساد في مصر بشكل متزايد خلال الخمسة والعشرين عامًا الماضية. ورصد التقرير صور وواقع الفساد بالأرقام منذ أكتوبر عام 1981، بالتزامن مع تولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم في مصر، مشيرا إلى أن جرائم الرشوة في ذلك العام لم تتعد 91 حالة سنويا، وأن جرائم الاختلاس لم تزد على 54 حالة. وأوضح التقرير أن هذه النسبة تزايدت بشكل كبير في منتصف الثمانينيات بعد تولي الدكتور عاطف صدقي رئاسة الحكومة، ثم ارتفعت إلى أضعاف مضاعفة في السنين التي تلتها . وكشف عن أن معدلات الجريمة وصلت إلى أعلى معدلاتها في فترة حكومة رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد وفي عهد رئيسها الحالي الدكتور أحمد نظيف ، حيث وصلت جرائم الرشوة إلى 3100 جريمة ، بينما تجاوزت جرائم الاختلاس 4000 حالة في العام الواحد. وأكد التقرير أن هذه الأرقام المفزعة وضعت مصر على قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، وبخاصة في ظل غياب الرقابة الحازمة من الحكومة. وأضاف أن هناك عشرات الاتهامات وجهت إلى شخصيات قريبة من دوائر صنع القرار الحكومي في مصر، موصيا في نهايته بضرورة تحليله ودراسته، وخاصة من قبل المفكرين وعلماء الاجتماع. يذكر أن الاتحاد الأوروبي أعلن أخيرًا عن فشل مفاوضاته مع مصر حول إعداد "خطة عمل الجوار" بسبب خلافات بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر والأسلحة النووية في الشرق الأوسط؛ وهي الخلافات التي شهدتها مباحثات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في لوكسمبورج مع المفوضة الأوروبية بينيتا فيريرو فالدنر.