أدهشتني الأعداد الكبيرة التي اجتمعت في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر يوم الثلاثين من يونيه، سألتني نفسي ألن تذهب إليهم لتشاركهم؟؛ فأجبتها: لا لا.. أنا مع الشرعية؟، فقالت لي: أي شرعيةٍ يا رجل .. هؤلاء فيهم القضاة وضباط الشرطة والإعلاميون وقادة الأحزاب المدنية.. ثم انظر معي.. تفحص الوجوه عن كثب.. ستجد فيهم الكثير من أصدقائك وأقربائك ومعارفك.. فلا تخدع نفسك بسراب الشرعية، استجبت لحديث نفسي (الأمارة بالسوء) وعندما هممت بالاستعداد للنزول سمعت نداءً من نفسي الأخرى (نفسي المطمئنة)، تسألني: بهرتك أيها الغر كثرة الجموع؟! .. أنسيت قول "ابن القيم"، رحمه الله، الذي تحفظني إياه منذ زمن "لا يغرنك في طريق الباطل كثرة الهالكين .. ولا يوحشنك في درب الحق قلة السالكين فقدقال تعالى لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون المائدة:100". انتصرت الأمّارة على المطمئنة وبدأت أحثُ الخطى نحو التحرير، لكنني في طريقي لاحظت ظاهرة غريبة رأيت زمرًا من الانقلابيين يوقفون الملتحين والمنتقبات؛ ويقومون بإيذائهم والاعتداء عليهم بالضرب والسب والنتف والتهكم والسخرية؛ في ظاهرة لم تحدث حتى في عهد مبارك؛ وكأنها أول هدايا الانقلابيين لمناصريهم من الإسلاميين، تحيرت ماذا أفعل؟ .. كيف أخفي لحيتي؟ هل سيعذرني عندهم أنها قصيرةٌ خفيفة؟ هل أعود لبيتي لأحلقها؟؛ ولو حلقتها اليوم فماذا سأفعل بعد انتصار الانقلاب؟؛ هل فقدت أبسط حرياتي الشخصية حتى قبل أن أبدأ المشاركة في الانقلاب؟. وهنا.. أمسكت بأذني نفسي الثالثة (النفس اللوامة) تقرعني وتلهب ظهري بسوطٍ من لهيب؛ وتحاصرني بأسئلة عجزت عن إجابتها، إلى أين تذهب يا أحمق؟ .. إلى التحرير .. لماذا؟ .. لأشارك الثوار في التغيير .. التغيير من ماذا إلى ماذا؟ .. التغيير من العجز والفشل إلى إلى .. إلى ماذا؟ أجب .. إلى مستقبل أفضل وواعد .. ههههه ما أحمقك تتهمون مرسي بأنه خدعكم بالشعارات وها أنتم تخدعون أنفسكم بشعارات أكثر وهما .. لا لا .. مرسي قال إن لديه برنامج ولكن لم ينفذه .. ماذا قلت؟ .. عنده برنامج .. ولماذا لم ينفذه؟.. هو يقول التركة الثقيلة لعهد الفساد البائد وعدم تعاون القوى السياسية معه والتحريض الإعلامي وتغلغل الفلول وفسادهم في مفاصل الدولة.. وأنتم ماذا تقولون؟ .. قلت: لم أفهم السؤال .. صرخت بوجهي أجِبْ .. ماذا يقول الانقلابيون؟ .. يقولون إن سبب الفشل هو أخونة الدولة وعدم وضوح برنامج النهضة .. برنامج مرسي غير واضح .. فما هو برنامجكم أنتم؟ .. لم أفهم السؤال .. أتتخابث ثانيةً؟ .. ما هو برنامج الانقلابيين؟ .. لا أعرف .. لم يقولوا لنا!!!. من سيحكم مصر بعد نجاح الانقلاب؟ .. لا أعرف ولكن ربما مجلس رئاسي من البرادعي وحمدين وعمر موسى وأبو الفتوح .. هذا ليس مجلسًا رئاسيًا.. هذه مصطبة لبن سمك تمر هندي .. ليبرالي رأسمالي على ناصري اشتراكي على فلولي ارستقراطي على إسلامي متقلب .. هؤلاء الذين وصفهم الله عز وجل (فيه شركاءٌ متشاكسون) .. طيب ربما المناضل خالد علي .. غضبت جدًا وقالت .. بتقول إيه خالد مين .. مناضل إيه .. فقلت لها بلاش بلاش .. خلاص مش عارف .. ما هو برنامجكم لحل مشكلة السولار والبنزين؟ .. لا أعرف .. لم يقولوا لنا .. ومشكلة أمن سيناء .. لا أعرف .. لم يقولوا لنا .. ومشكلة غلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار؟ .. لا أعرف .. لم يقولوا لنا .. ومشكلة البلطجة والانفلات الأمني .. لا أعرف .. لم يقولوا لنا .. ومشكلة إعادة الأموال المنهوبة .. ومشكلة البطالة .. ومشكلة الضباط الملتحين .. ومشكلة القصاص من قتلى ثوار يناير .. ومشكلة السد الإثيوبي .. ومشكلة التيار الكهربائي .. لا أعررررف .. لا أعررررف.. لم يقولوا لنا. إذن ما دمتم لا تعرفون إلى أين تذهبون وتسوقوننا معكم، فلماذا تجرون البلاد إلى هوة المجهول السحيقة .. عُد يا أحمق .. ويوم أن تعرف برنامج من يريدون التغيير .. فتوجه إلى التحرير.