استمعت أمس إلى البيان الذي أذاعه مسئولو المنطقة الإعلامية الحرة، والذي هددوا فيه بغلق القنوات الفضائية المعارضة للرئيس محمد مرسي، بدعوى أنها خالفت بنود عقد التأسيس والترخيص، وخاصة قنوات السي بي سي وأون تي في والحياة وصدى البلد ودريم، البيان كان خطيرًا جدًا، لأنه يعني إهدار الشرعية علنًا في عملية صراع سياسي بحت، وهو نفس ما يأخذه الإخوان على خصومهم، فأنت لديك دستور لم يجف مداده بعد، وينص على حظر غلق القنوات أو الصحف إلا بأحكام قضائية، ثم أنت الآن بعد أقل من ستة أشهر على توقيعك على هذا الدستور الذي حشدت الناس للموافقة عليه تهدد بغلق القنوات وتكميم أفواه الإعلاميين، لأنهم يزعجونك أو يعارضونك بقوة، أو لأنك فشلت في منازلتهم بقنواتك وصحفك، فذلك تطور خطير جدًا بالفعل، وهو إجراء يأتي بعد أيام من تهديد مالك إحدى تلك القنوات بتأديبه وترويعه على خلفية خلاف ضرائبي لكي يتوقف، وهو ما لم يحدث فيما يبدو، كما يأتي بعد أيام من هجوم الرئيس محمد مرسي صراحة على تلك القنوات وبالاسم، ثم جاء اللجوء للتهديد العلني المباشر والفج، الموقف السابق لا صلة له بمضمون ما تقدمه تلك القنوات، لا بموافقتي عليه ولا بالاختلاف معه، تلك قضية أخرى مختلفة، ولكن قضية حرية الرأي والتعبير وفي أعلاها الحريات الإعلامية هي عنوان أي نظام ديمقراطي، بل هي المرآة التي توضح بدقة صورة هذا النظام أو ذاك، إن كان ديمقراطيًا أو استبداديًا أو مشروع استبداد، تلك مسألة شديدة الحساسية في عالم اليوم، وبموازين الديمقراطية التي ارتضيناها والتي أتت بنا للحكم، والشرعية لا تتجزأ، فنأخذ منها ما نشتهي وندافع عنه وندفن ما لا نحب ونهاجمه، والدستور واجب الاحترام، وهو يحظر المساس بأي قناة فضائية أو صحيفة إلا بموجب حكم قضائي، أما أن يخرج مسؤول على مزاجه وقتما شاء وكيفما شاء لكي يقول إنه سيغلق اليوم القناة الفضائية وسيوقف غدًا الصحيفة العلانية، فتلك كارثة وانقلاب علني على الديمقراطية وإساءة فاضحة لاستخدام السلطة، ناهيك عن خرقها لدستور البلاد، ولو أن كل نظام سياسي غضب من معارضيه وقسوتهم وقوة حضورهم الإعلامي، فقرر أن يغلق قنواتهم وصحفهم، لأصبح العالم غابة ويحكم بالعضلات والعنف، وليس بالقانون أو الدستور أو أي عقد اجتماعي، ويصبح السؤال بديهيًا: ما الفرق بيننا وبين نظام مبارك؟! أتمنى أن تتوقف هذه التهديدات الرعناء التي تسيء للرئيس محمد مرسي إساءة بالغة، وتعطي صورة سوداوية للغاية عن الإخوان ونواياهم تجاه الحريات العامة ومدى الالتزام بالدساتير التي يوقعونها واحترامهم للقانون، وأنهم سيستغلون أي سلطة يمسكون بها لقمع معارضيهم والتنكيل بهم وإخراس أصواتهم إن استطاعوا، مواجهة الإعلام المخالف أو المعارض يكون بنفس آلياته، الكلمة تواجه بالكلمة، والرأي بالرأي، والصورة بالصورة، والحوار بالحوار، والتحقيق بالتحقيق، والفن بالفن، فالساحة متاحة للجميع، أما أن نفشل فنيًا ومهنيًا وسياسيًا فنحل مشكلاتنا بقمع الآخرين وقطع ألسنتهم، فذلك إعلان هزيمة مبكرة واعتراف ضمني بالفشل، وتدشين لدولة الرأي الواحد والصوت الواحد واللافتة الفرعونية الشهيرة "ما أريكم إلا ما أرى". إذا رأت الجهات الإدارية أن قناة أخطأت أو خرجت على مقتضيات الترخيص الذي حصلت عليه كما تزعم، فإن كلام هذا الموظف أو المسئول يظل وجهة نظره أو وجهة نظر حزبه، وعليه أن يرفع أوراقه ودعواه ووجهة نظره للقضاء، لكي يفصل في هذا الخلاف ويحكم بين الخصمين، وهو القضاء الذي عن طريقه أتى الدكتور محمد مرسي لرئاسة الجمهورية وحصل بحكمه على شرعيته، تلك أيام عصيبة، تدع الحليم حيرانًا، ولا ينبغي أن نفقد فيها احترامنا لأنفسنا، واحترامنا لعقدنا الدستوري مع الشعب والآخرين، أو أن تغيب عنا في عنفوان ضغوطها أبجديات الإدارة السياسية لدولة ديمقراطية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.