"هل يستطيع أوباما وضْع المصالح الأمريكية فوْق إسرائيل؟".. سؤال يثير هذه الأيام انشغال أوساط عديدة في واشنطن وتل أبيب حملته swissinfo.ch إلى أربعة خبراء في شؤون الشرق الأوسط في وقت يكرِّر فيه الرئيس أوباما التّأكيد على أن تسوِية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي بتطبيق حلّ الدولتيْن، يصُبّ في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. بل لا يفتأ ساكن البيت الأبيض يصرح بأن منْع الإنتشار النووي يخدِم المصلحة القومية الأمريكية ويصدر توجيهات بإزالة أيّ ربْط بين الإسلام والإرهاب من وثيقة الأمن القومي الأمريكي، وذلك في غمار توتّر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بسبب مواصلة تل أبيب سياسة الإستيطان والتّهويد، خاصة في القدسالشرقية. طرحنا السؤال في البداية على الدكتور سامر شحاتة، أستاذ الدراسات العربية والعلاقات الدولية بجامعة جورجتاون في واشنطن، فأوضح أن الأمر ليس بِيَد الرئيس أوباما وحده، إذ يلزم لتحقيق هدَف أن تسْمو المصلحة القومية الأمريكية على مصالِح إسرائيل وضغوط اللّوبي المُوالي لها، أن يترسّخ هذا المفهوم في وعْي الرأي العام الأمريكي وبين أعضاء الكونغرس، واستعداد الرئيس لتحمُّل مخاطِر سياسية للمُضي في هذا الطريق. وقال: "مع تأكيد الرئيس أوباما على ضرورة تغيير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل يخدم المصالح القومية الأمريكية، فإن القيود الداخلية الضّاغطة القائمة في الولاياتالمتحدة إزاء أي تغيير يمَس التأييد بلا حدود لإسرائيل، قوية ومتعددة، ولذلك، فحرية الرئيس أوباما في التحرّك نحو سياسة أكثر توازُنا تحقِّق المصالح القومية الأمريكية، لا تتخطّى نسبة 20%، لذلك فأنا لسْت متفائلا بأنه سيُواصل الضغوط الأمريكية لتحقيق حلّ الدولتيْن". أوراق الضّغط موجودة وضرَب الدكتور سامر شحاتة مِثالا على الفارق بين الأوراق المُتاحة لأوباما للانطِلاق بعملية السلام، وبين ما يُمكن أن يستخدِمه منها، فقال: "هناك مَثلا ورقة المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل وورقة تبادُل معلومات الاستخبارات معها، وورقة إمكانية تغيير طريقة التّصويت الأمريكية المُوالية باستمرار لإسرائيل في مجلس الأمن، والتي وفّرت دائما الحماية الدبلوماسية للممارسات الإسرائيلية، ولكن أوباما لن يَقوى على استخدام أيٍّ منها، حينما يصِله خطاب موقّع من 76 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يطالبونه بالتّهدئة وعدم التصعيد مع إسرائيل، ولن يُغامر الرئيس أوباما برأسماله السياسي، حينما يكون حريصا على الاحتفاظ للديمقراطيين في الكونغرس بالأغلبية في انتخابات التّجديد النصفي (للكونغرس) في نوفمبر القادم، ولن يكون راغبا بطبيعة الحال في التّضحية بفُرص إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وهو يُدرك تماما أن الشيء الثابت في السياسات الداخلية الأمريكية، هو قوة اللّوبي الموالي لإسرائيل في التأثير على أعضاء الكونغرس بمجلسيْه، مما يجعل من الصعوبة بما كان عليه، حتى مع إيمانه بأن تحقيق حلّ الدولتيْن يخدم المصالح القومية الأمريكية". ويؤكِّد الدكتور سامر شحاتة أن مجرّد التفكير في ممارسة الضغط على إسرائيل، ولو من بعيد، أصبح خطّاً أحمر لا يُمكن تجاوُزه، وضرب مثالا عمَليا على ذلك فقال: "قبل حوالي شهر، صوّتت حكومة الطلاب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي لصالح مشروع قرار يُطالب إدارة الجامعة برفض المِنح المالية المقدّمة للجامعة من شركة جنرال إلكتريك ومن شركة أمريكية أخرى، لأنهما تضامنتا مع إسرائيل في الحرب على غزة من خلال تزويدها بأسلحة ومُعدّات عسكرية استخدمتها في تلك الحرب، وكانت نتيجة التصويت 16 لصالح مشروع القرار ضد 4، ممّا أثار جدلا واسعَ النِّطاق وتغطِية في وسائل الإعلام الأمريكية، وكان يلزم تصديق رئيس حكومة الطلاّب بالجامعة على المشروع ليُصبح قرارا، ولكنه تعرّض وبسرعة فائقة لضغوط من الجماعات المسانِدة لإسرائيل، فاستُخدِم ضدّه حقّ الفيتو. وعندما اجتمع مجلس الشيوخ المُمثل للطلاّب في الجامعة لتأمين أغلبية الثلثين لإبطال فيتو الرئيس، لاحقت نفس الجماعات أعضاء المجلس بالضغوط وفشِلوا في تأمين الأغلبية اللازمة". هناك تغيير.. ولكن! أما الدكتور عمرو حمزاوي، مدير الأبحاث بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي بواشنطن، فيرى أن هناك تغييرا تدريجيا وبطيئا في مسألة تفضيل المصالح الإسرائيلية على المصالح القومية الأمريكية. فللمرة الأولى تتجاسر رُموز المؤسسة العسكرية الأمريكية، خاصة الجنرال بتريوس، قائد القيادة الأمريكية الوسطى المعنِية بالشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، وكذلك وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس على التصريح بأن استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشكِّل خطرا على المصالح القومية الأمريكية ويؤجِّج المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالميْن العربي والإسلامي. وعلى صعيد الرأي العام الأمريكي، بدأت المناقشات والمطالبات، وإن كانت على نطاق محدود، تصُبّ في اتِّجاه المُطالبة بأن تسْمو المصلحة القومية الأمريكية على مصلحة أي دولة حليفة، ولكن مثل ذلك التوجّه لم يترسّخ بعدُ في العقل الجماعي الأمريكي وسيلزَم وقتا أطول قبْل أن يتغيّر التعاطف الشعبي مع إسرائيل، رغم ممارساتها المثيرة للجدل التي تقوِّض المصالح القومية الأمريكية في الشرق الأوسط. ويعتقد الدكتور عمرو حمزاوي أن هناك أزمة حقيقية بين إدارة أوباما وحكومة نتانياهو، ولكن لن يكون بوُسْع الرئيس أوباما تصعيدها في ظلِّ التأييد الأعمى لمُعظم أعضاء الكونغرس بمجلسيْه، لإسرائيل ولرَغْبته في الإبْقاء على الأغلبية التي يتمتّع بها الديمقراطيون في الكونغرس بعد انتخابات التّجديد النصفي في الخريف القادم، ولذلك يقول الدكتور حمزاوي: "سيكون الخِيار الأسهل لأوباما، طرْح مبادرة سلام أمريكية إدراكا منه، لأن الخَلل في موازين القوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والإئتلاف الحكومي الهشّ في إسرائيل، سيَحُولان دون إمكانية توصّل الطرفيْن بمفردِهما إلى حلّ الدولتيْن، وسيطرح أوباما تلك المبادرة في نهاية العام الحالي، ولن تخرُج عن الخطوط التي تستبعِد حقّ العودة للاّجئين الفلسطينيين وعدم العوْدة إلى حدود عام 1967، وإنما مُقايضة أراضي التكتلات الإستيطانية الكُبرى بأراض مُماثلة في إسرائيل ووقْف الاستيطان في القدسالشرقية، على أن يتم التوصّل إلى سلام يحقّق حلّ الدولتْين في غضون أربعة وعشرين شهرا، ومع ذلك، فمن المرجّح أن ترفُض حكومة نتانياهو مثل تلك المبادرة ولن يُساند الكونغرس رغم ذلك أيّ ضغط أو تصعيد مع إسرائيل". أوباما وثوابِت السياسة الأمريكية ويقول الدكتور عمرو حمزاوي، إن الرئيس أوباما لن يستطيع تغيير الثوابِت الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: "هناك ثوابِت استقرّت في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط لا يكون بوسع الرئيس تغييرها، وهي تأمين إمدادات البترول الحيوية للغرب من الشرق الأوسط واستقرار الأنظمة العربية قريبة الصِّلة بالولاياتالمتحدة وضمان أمْن إسرائيل، ومع أن هناك لحْظة تنازُع واضحة بين المصالح القومية الأمريكية في المنطقة ورفض إسرائيل لِما يراه الرئيس أوباما متطلّبات لازمة لإقرار حلّ الدولتيْن الذي يخدِم مصالح الولاياتالمتحدة، فإنه لن يستطيع أن يأمُر فتنفِّذ إسرائيل، وهو يُدرك أن بوُسْع إسرائيل في ظلّ الضغوط الداخلية عليه من الكونغرس واللّوبي، أن ترفض المطالِب التي سلّمها لنتانياهو لاستئناف عملية السلام، وهو ما حدث بالفعل". وضرب الدكتور عمرو حمزاوي مِثالا آخر على الحصانة التي تتمتّع بها إسرائيل في مواجهة الضغوط الأمريكية، حتى عندما يتعلّق الأمر بالمصالح القومية الأمريكية، فقال "إنه فيما شدّد الرئيس أوباما على أن حظْر الانتشار النووي يشكِّل أهمية بالِغة للأمن القومي الأمريكي وركّز في قمّة الأمن النووي في واشنطن على ضرورة تخلّي إيران عن طموحاتها النووية، لم يجرُؤ على إثارة ملف التِّرسانة النووية الإسرائيلية وضرورة توقيع إسرائيل على معاهدة حظْر الانتشار، ومِن ثمَّ فتح مُفاعلها النّووي في ديمونة أمام التفتيش الدولي، مما يُعطي إيران فرصة التعلّل بازدواجية المعايير ويُقوِّض من فُرص الولاياتالمتحدة في الضّغط الدولي على إيران بفرض مزيد من العقوبات الدولية، بل إن مواصلة الصّمت الأمريكي عن التِّرسانة النووية الإسرائيلية، يُعوِّق قُدرة أوباما على توظيف قُدرات مُختلفة للتفاعل مع مَسعاه لعالم خالٍ من التّهديد النووي". الاعتماد على الشعب الإسرائيلي في السياق نفسه، توجهت swissinfo.ch إلى جين بيرد، الدبلوماسي الأمريكي السابق والمدير التنفيذي الحالي لمنظمة المصلحة القومية الأمريكية، التي تدعو الأمريكيين إلى مساندة مصالح الولاياتالمتحدة، وليس تفضيل مصالح إسرائيل على مصلحة وطنهم، واستفسرت عن تقييمه لقُدرة أوباما على ترسيخ ذلك المطلب العَقلاني في وِجدان الشعب الأمريكي فقال: "لقد شدّد الرئيس أوباما بشكل متكرِّر على أهمية تسوية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي بالنِّسبة للمصالح القومية الأمريكية، ورغم أنه لم ينجح في حشْد التأييد اللاّزم داخل الكونغرس للدّفع بقوة نحو حلّ الدولتيْن، فإنه نجح إلى حدٍّ أكبر في إقناع قِطاع لا بأس به من الأمريكيين في مُساندة إنهاء الصِّراع، خِدمة لمصالح الولاياتالمتحدة. ونُدرك عمَليا حدوث ارتفاع مُتواصل في نسبة مَن يُساند من الأمريكيين فِكرة تفضيل المصالح القومية الأمريكية على مصالح إسرائيل وأي حُلفاء آخرين قريبين من الولاياتالمتحدة". وأعرب الدبلوماسي الأمريكي السابق عن اعتقاده، بأنه طالَما أن الرئيس أوباما يخشى من خَسارة الديمقراطيين لأغلبيتهم في الكونغرس إذا حاول ممارسة الضغط على إسرائيل ويتخوّف من أن ذلك قد يُقوض فرصته في إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، فربّما يصبح الخِيار الأفضل لأوباما لتحقيق حلّ الدولتيْن الذي يخدِم المصالح القومية الأمريكية، أن يتوجّه إلى إسرائيل ويُخاطب الشعب الإسرائيلي مُباشرة من الجامعة العِبرية، ثم يخاطب الشعب الفلسطيني من جامعة بير زيت فيَكسِر القيود الداخلية عليه ويجعل من الأيْسر على الزّعماء الإسرائيليين والفلسطينيين الدّخول في مفاوضات جدِّية وتقديم التنازلات اللاّزمة لحلّ الدولتيْن. ويتّفق السيد أوري نير، المدير التنفيذي لحركة "أمريكيون من أجل السلام" مع ضرورة أن يركِّز الرئيس أوباما على استِمالة الرأي العام الإسرائيلي إلى جانبه من خلال شرْح مَنافع السلام التي سيوفِّرها حلّ الدولتيْن من جهة، والعمل على تفعيل مبادرة السلام العربية من جهة أخرى، لترجيح كفّة مُعسكر السلام في إسرائيل بتوضيح مَنافع التطبيع التي ستترتّب على حل الدولتيْن، خاصة وأن أحدث استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تُشير إلى أن نسبة 60% من الإسرائيليين أبدَوا عدم مُمانعتهم في تفكيك مُعظم المستوطنات القائمة في مقابل حلٍّ شاملٍ يوفِّر السلام والأمن. ويستبعد السيد أوري نير أن يقوم الرئيس أوباما في المستقبل القريب بطرْح مبادرة سلام أمريكية ويقول: "يُدرك الرئيس أوباما أنه لو ألقى بكل ثِقله خلْف مبادرة سلام أمريكية لتسوية الصراع خِدمة للمصالح القومية الأمريكية، فإنه سيُغامر برأسماله السياسي داخل الولاياتالمتحدة، حيث قد يكلِّفه ذلك فقدان الأغلبية التي يحظى بها حزبه في الكونغرس، مما سيُقوض فرصة إعادة ترشيحه لفترة رئاسية ثانية، كما سينظر الإسرائيليون إلى مثل تلك المبادرة على أنها فرض للسلام من الخارج، لذلك أعتقد أنه سيلجأ إلى بديل آخر، وهو الإعلان المحسوب عن المواقف الأمريكية إزاء القضايا الحسّاسة المتعلقة بالوضع النهائي، مثل القدسالشرقية التي بدأت إدارة أوباما في توضيح موقِفها منها من خلال مطلَب وقف الاستيطان فيها، وهو ما يمثِّل مجرّد مقدِّمة لمزيد من الإعلان عن مواقف أمريكية واضحة من باقي قضايا الحلّ النهائي". أما وسيلة الضّغط الأخرى، التي يرى السيد أوري نير أن بوسع أوباما استخدامها، إذا واصلت الأحزاب الدِّينية الإسرائيلية ضغوطها على نتانياهو لرفض متطلبات السلام، فهو "العمل على تشكيل ائتلاف إسرائيلي جديد يضُم حزب كاديما الذي تعهّدت رئيسته تسيبي ليفني بالإنضمام إلى الحكومة الإسرائيلية، إذا التزَم الائتلاف بالعمل الجادّ نحو حلّ الدولتيْن". وخلص السيد نير إلى أن أوباما نجَح إلى حدٍّ بعيد في إقناع الشعب الأمريكي بضرورة إنهاء الصِّراع الذي يُقوِّض المصالح القومية الأمريكية في المنطقة. المصدر: سويس انفو