هناك مَثل أمريكي معروف يقول "إذا تكلّمت عن اعتزامك السّير في طريق، فيجب أن تظهر أنك قادِر على السَّير فيه"، فإذا طبّقنا هذا المّثل على ما تحدّث عنه الرئيس أوباما قبل عام في خطابه إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة، سنجِد أن مُعظم الخبراء وزُعماء المنظمات العربية والإسلامية الأمريكية، متّفقون على أن الرئيس قطَع وُعودا أكثر بكثير ممّا يستطيع أن يَفيَ به، خاصة في مجالات السياسة الخارجية ودعْم الديمقراطية، بل وتحسين مُعاملة المسلمين في الولاياتالمتحدة، وهو أضعف الإيمان إذا صحّ التعبير. لقد أظهرت مذْبحة قافلة الحرية، التي ارتكبتها إسرائيل بحقّ المتضامنين مع مُعاناة شعب فلسطين في غزة والموقِف الباهِت الغامض الذي اتّخذه الرئيس أوباما من المَسلك العدواني الإسرائيلي، كيف أن الرئيس أوباما وقَع ضحية لوُعود طرحها وهو يعلَم أنه أعجَز من أن يفيَ بها حين حانت لحظة تسديد فواتير الوعود البرّاقة، التي ساقها للعالم الإسلامي قبل عام، كما قال الإمام مهدي بري، المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية الأمريكية، مذكِّرا الرئيس أوباما بأنه سبق وأكّد في خطابه بالقاهرة أن الولاياتالمتحدة لم يعُد بوُسْعها إقرار شرعية الاستيطان، غير أن الرئيس لم يفعل شيئا لوقْف الاستيطان في الأرض الفلسطينية، خاصة القدسالشرقية، وتراجعت عملية السلام من مُفاوضات مباشرة متعثِّرة ومتوقِّفة إلى محادثات غير مُباشرة، بأمل أن تتحوّل فيما بعد إلى مفاوضات مباشرة! وردّا على سؤال ل swissinfo.ch عن الحدّ الأدنى المتوقّع من وعود أوباما، فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال الإمام مهدي بري: "مع التعنُّت الذي يُواصله نتانياهو وحكومته المتطرِّفة وعجْز أوباما عن اتِّخاذ موقِف حازِم من القرصنة الإسرائيلية وفي ظلِّ الانقسام المُؤسف بين حماس والسلطة الفلسطينية، فإن أقل ما ينتظِره المسلمون من أوباما، هو أن يضغط من أجْل رفع الحصار الظالم على قطاع غزة ويضمَن وصول المساعدات الإنسانية الضرورية للفلسطينيين". وأضاف الإمام بري أن "أداء الرئيس أوباما فيما يتعلّق بوعودِه للعالم الإسلامي في خطاب القاهرة في يونيو الماضي في مجالات عديدة، يستحِق تقيِيما واحدا هو: لم يستكمل المهمة". أما السيد نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، فأشاد بموقف الرئيس أوباما للرّبط الأمريكي بين الإسلام والعُنف والإرهاب في وثيقة الأمن القومي الأمريكي وباختيار المسلمة الأمريكية داليا مجاهد لتكون مستشارة له في مكتب الشراكة مع الأديان، واختياره للمسلم الأمريكي رشاد حسين ليكون مبعوثه الخاص لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك بالتزام الرئيس أوباما بوعْده بسحب القوات الأمريكية من العراق، وِفق جدول زمني محدّد، ولكن عندما سألناه عن الوُعود التي قطعها الرئيس أوباما ولم تُنفَّذ، وما الذي يطلبه من الرئيس أوباما فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية، قال السيد نهاد عوض: "يجب أن يُظهِر الرئيس أوباما موقِفا أكثر حزْما مع إسرائيل، سواء فيما يتعلّق بالاستيطان أو تحويلها غزة إلى سِجن لمليون ونصف مليون فلسطيني أو إزاء تعنُّتها في المفاوضات، وبيَد الرئيس والكونغرس من أوراق الضّغط ما يستطيع به أن يقرن بين أقواله وأفعاله. وفيما يتعلق بأفغانستان وباكستان، يجب أن يغيِّر من منهج التدخُّل العسكري والتّصعيد الذي أودى بحياة المئات من المدنيين، خاصة في هجمات الطائرات بدون طيار". ولكن الدكتورة تمارا كوفمان، نائبة مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، أكّدت ل swissinfo.ch أن وعود الرئيس أوباما لم تكُن وُعودا في الهواء، وأن تنفيذها يحتاج إلى أكثر من عام. ومع ذلك قالت: "فيما يتعلق بالصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي، كلّف الرئيس أوباما السناتور جورج ميتشل بمُتابعة عملية السلام يوميا وبدأ رحلاته المَكُوكية المُتواصلة، ونجح في إقناع الطرفيْن بمحادثات غيْر مباشرة، يتِمّ من خلالها التوفيق بين مواقِفهما المتعارضة، تمهيدا لعقْد مفاوضات مباشرة، كما يواصل الرئيس بنفسه العمل نحْو تقريب وِجهات النّظر والاجتماع بالرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. وفيما يتعلّق بالعراق، ستتحوّل المهمّة إلى مهمة مدنية لمُساعدة العراقيين على إعادة بناء دولتهم، فيما تنسحب القوات الأمريكية". وعود الديمقراطية أما خُبراء الديمقراطية وحقوق الإنسان، فركّزوا تقييمهم على المُقارنة بين الفجْوة السّحيقة، بين وعود أوباما في القاهرة بمساندة الحكومات التي تحمي حقوق شعوبها في التعبير وفي تقرير طريقة الحُكم التي يريدونها واحترام سِيادة القانون، وبين التّدهْور الذي شهِدته المنطقة العربية، وخاصة مصر، فيما يتعلّق بالإصلاح السياسي والتحوّل نحو الديمقراطية. وفي هذا الصدد، توجهت swissinfo.ch إلى السيد آندرو ألبرتسون، المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، لمعرفة تقييمه لأداء الرئيس أوباما بعد عام من خِطابه في القاهرة فقال: "لقد تعهّد أوباما بمُساندة الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي في المنطقة، ولكن من خلال الدبلوماسية الهادِئة وراء أبواب مُغلقة، وتسبّب هذا في إرسال رسالة خاطئة إلى كلٍّ من الشعوب والحكومات. فقد شعرت الشعوب بأن أوباما لا يُوليها أهمية، ووجدت أنظمة الحُكم غير الديمقراطية في الدبلوماسية الهادِئة، متنفّسا لمزيد من الإصلاحات الشكلية ومواصلة احتِكار السلطة وفرْض القيود على الحريات من خلال القوانين الاستثنائية، مثل قانون الطوارئ في مصر، الذي مدّد الرئيس مبارك العمل به، رغم الطلبات الأمريكية بوقفه". ويرى السيد آلبرتسون أنه، قد يكون من الأفْضل لمِصداقية الرئيس أوباما أن يقوم بمُراجعة سياساته بعد عام من خطابه إلى العالم الإسلامي، لمعرفة ما الذي نجح منها وما الذي يجب تعْديله. كذلك، أعرب الدكتور ستيفن غراند، مدير مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي في معهد بروكنغز، عن اعتقاده بأن أفضل مِعيار لتقييم مدى التِزام الرئيس أوباما بوعوده فيما يتعلّق بالديمقراطية، هو ما ستُسفر عنه الانتخابات التشريعية في مصر في العام الحالي وما سيحدُث في انتخابات الرئاسة في العام القادم، وقال ل swissinfo.ch: "الاختبار الحقيقي سيكون في الكيْفية التي ستتعامل بها إدارة الرئيس أوباما مع الانتخابات المصرية ومدى إصرارها على نزاهة الانتخابات وتكافُؤ الفرص بين القِوى السياسية، وضرورة منْح الفرصة الحقيقية لتعكِس الانتخابات إرادة النّاخبين وعدم السّماح لنظام الحُكم الحالي في مصر بتحديد مَن الذي سيخلفه". ولعلّ أول إشارة إيجابية في هذا الصّدد، هي خروج نائب الرئيس جوزيف بايدن عن الدبلوماسية الهادئة في بيانه بعد محادثاته يوم 7 يونيو 2010 في شرم الشيخ مع الرئيس المصري حسني مبارك وقوله: "ندعو مصر إلى العمل على توفير النشاط والحيوية للمجتمع المدني في مصر وإتاحة المزيد من الانفتاح، لتوفير المنافسة السياسية البالِغة الحيوية، لكي تبقى مصر قوية وتصبِح نموذجا يحتذى به في المنطقة". لكن الدكتور سعد الدين إبراهيم، المعارض المصري الذي يعيش في المنفي في الولاياتالمتحدة ويرأس منظمة أصوات من أجل الديمقراطية في مصر، يرى أن أوباما لم يُحاول استخدام أوراق الضّغط المُتاحة لديه لمُساندة التحوّل الديمقراطي في العالم العربي، وقال ل swissinfo.ch: "الحكّام الدكتاتوريون لن يستجيبوا بمحْض إرادتهم لمثل تلك المُناشدات. فإذا لم يتِمّ الضغط عليهم، سيواصلون احتكار السلطة وقمْع المنافسين السياسيين، كما فعلوا ذلك خلال الثلاثين عاما الماضية. وما لم يفعل أوباما شيئا خلال عاميْ الانتخابات في مصر، فسيقود نظام مبارك مصر إلى نموذج لاحتِكار السلطة وتزوير الانتخابات، سيصبح هو النموذج الذي تحتذيه دول المنطقة في تجنّب رياح التغيير والتحول الديمقراطي". أوباما يخلف وعوده للمسلمين الأمريكيين في سياق متصل، غمرت المسلمين الأمريكيين أيضا الذين وعدَهم أوباما في خطابه المنمق العِبارات في القاهرة بأن يتمكّنوا من ممارسة عقيدتهم بحرية، بما في ذلك جمْع أموال الزّكاة لفقراء المسلمين، مشاعر الإحْباط لملاحقة المباحِث الفدرالية لمؤسساتهم الدِّينية والخيرية، وعدم تمكينهم من إرسال ما تمّ جمْعه من أموال الزّكاة إلى مُستحقِّيها في العالم الإسلامي، بحجة الاشتِباه في وصولها لتمويل جماعات إسلامية أو إرهابية، كما يقول السيد نعيم بيج، المدير التنفيذي للمجلس الإسلامي للعدالة الاجتماعية: "انتهاكا للتّعديل الأول للدستور الأمريكي الذي يضمن حرية ممارسة العقيدة، تشكل إعاقة الأجهزة الأمنية الأمريكية لحق المسلمين في دفع أموال الزكاة كالتزام ديني، عدم وفاء الرئيس أوباما بوعده في القاهرة للمسلمين الأمريكيين، كما أن التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي يضمَن مساواة جميع الأمريكيين أمام القانون، ولكن هذا الحقّ لا يسري على المسلمين الأمريكيين الذين يتعرّضون لإجراءات تحقيق وتفتيش مختلِفة عن غيرهم في المطارات الأمريكية". بينما صرّح السيد أليهاندرو بيوتل، مسؤول الاتصال مع الحكومة الأمريكية في مجلس الشؤون العامة الإسلامية ل swissinfo.ch بأن أمام الرئيس أوباما قائمة من الخُطوات، التي يتعيّن عليه القيام بها مع المسلمين الأمريكيين، حتى يثبِت للعالم الإسلامي صِدق نواياه في علاقة جديدة، تقوم على الاحترام المتبادَل: "أولا، يجب تعْيين أعضاء من المسلمين الأمريكيين في المجلس المُشرِف على الحقوق المدنية، وأن يضغط لتمرير مشروع قانون لوقْف التصنيف العِرقي، الذي يستهدف المسلمين في المطارات الأمريكية. ثانيا، التوقّف عن التّعامل مع المسلمين الأمريكيين على أنهم خطَر يتهدّد الأمن القومي، خاصة وأن الفضل يرجع إليهم في تمكين أجهزة الأمن من إحْباط ثُلث خُطط تنظيم القاعدة لشنِّ هجمات على الأرض الأمريكية. ثالثا، الاجتماع بزُعماء المنظمات الإسلامية الأمريكية والقِيام بزيارة لأحَد المساجد أو المراكز الإسلامية الأمريكية". وخلص زعماء المسلمين الأمريكيين، إلى أنه بعد عام من خِطاب القاهرة الحافل بالوعود، حان وقت تمَشِّي القول مع الفِعل، لإنجاز كثير من الوعود التي قطَعها ولم يُنجِزها الرئيس أوباما. المصدر: سويس انفو