عندما سألني مدير مكتب الفضائية العربية الكبيرة في القاهرة عن توقعاتي لخطاب الرئيس قبلها بيوم وما إذا كان سيقدم مبادرات لكسر هذا الانسداد، قلت له إنه لن يقدم أي جديد، باستثناء الحديث عن المؤامرات في الداخل والخارج والكلام المكرر، وقلت له إن الجماعة تحشد الآن هي وحلفاؤها للمواجهة، ومن قرر الحشد فقد قرر الصدام، وبالتالي فخطاب الرئيس سيكون في هذه الوجهة حتمًا، وأظن أن خطاب الرئيس لم يخرج عن ذلك، باستثناء المفاجأة بانخفاض مستوى الحديث إلى شجارات صغيرة مع أشخاص كنت أتمنى أن يتنزه مقام رئيس الجمهورية عن الهبوط إليها، لأن هيبة مقام الرئاسة لها مقتضيات غابت عن الدكتور مرسي في تلك الليلة، والمشكلة أن الرئيس تورط في اتهام أشخاص بأسمائهم، إعلاميين وقضاة ورجال أعمال، وهو كلام يحرجه هو شخصيًا، فإذا كان هؤلاء متهمين فعلًا ومتورطين في أعمال غير قانونية، فلماذا لم تحولهم إلى المحاكمات؟ هل كنت تتستر عليهم أم تخشى منهم؟ وماذا إذا لجأ هؤلاء إلى المحاكم لمقاضاتك وسألوك عن أدلتك ووثائقك؟ وقد سبق وأن ألمح باتهامه لأشخاص وأن لديه الوثائق والأدلة ثم لم يقدم أي شيء بعدها، إن اتهام الناس بهذا الشكل الاعتباطي لا يليق بمقام الرئيس، يمكن أن يكون مثل هذا التراشق جزءًا من شجارات الإعلاميين أو النشطاء السياسيين على تويتر وفيسبوك، ولكن أن يصدر مثل هذا التراشق المرسل على لسان رئيس الجمهورية فهو مؤسف جدًا في دلالته، أيضًا لم أفهم كيف استباح لنفسه الدكتور مرسي أن يهدد معارضيه باللجوء إلى المحاكم العسكرية إذا لم يرتدعوا بالمحاكم المدنية، كده كده من أول سنة يا ريس! فكيف يكون الحال بعد خمس أو عشر سنوات؟! وهل هذه تمثل إعادة اعتبار لمبارك عندما قرر أن يحول الإخوان إلى محاكم عسكرية بعد أن كان القضاء المدني يبرئهم؟ وهو القضاء الذي نتهمه الآن بأنه قضاء مبارك، وهل كان الإخوان ينتقدون المحاكم العسكرية بوصفها محاكم استثنائية كموقف مبدئي وأخلاقي، أم لمجرد أنهم هم الذين كانوا يضارون منها، فإذا أضير بغيرهم أو سحق خصومهم عن طريقها فنحن نبارك ذلك ونصفق له ونشجع عليه؟! أيضًا لم أفهم ما هي حكاية اللجان القومية التي يطرحها الرئيس كل فترة لمجرد "اشتغالنا" كما قلت له ذات مرة وغضب أنصاره، البلد منقسم بعنف وعلى أبواب صدامات عنيفة اضطرت الجيش للنزول في الميادين والشوارع وتعطيل معظم فعاليات الدولة أو ارتباكها الشديد، ثم تكون المبادرة التي يتصورها الرئيس مخرجًا وحلًا أن يدعو لتشكيل لجنة وطنية للمصالحة، هل تذكر يا دكتور مرسي اللجنة القومية للعدالة والمساواة التي دعوت إليها في موقف سابق، يا ترى أخبارها إيه؟ لطالما تمنيت أن ينجح الدكتور مرسي، وأن يكون مفتتحًا لمصر جديدة، دولة حديثة ديمقراطية تكون نموذجًا للانفتاح والشراكة والتعددية والتداول السلمي للسلطة والسلام الاجتماعي والأمن والأمان الحقيقيين، ولطالما دافعنا عنه وخاصمنا الشرق والغرب من أجله، بل من أجل الثورة العظيمة، ثورة الحلم والأمل، وفي كل مرة يصيبنا بالإحباط، ويعطينا الرسالة الكئيبة: لا أمل، وبدلًا من أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والوطنية والدينية كأعلى مسؤول في الدولة عن إنقاذ الوطن من التمزق وحقن دماء أبنائه ولم شمل الأسرة الوطنية المصرية، نراه يتوعد ملايين المعارضين له بحشود جماعته في الشارع ويتوعدهم بأن الجيش معه والشرطة معه، وأنا لا أعرف كيف سيستخدم مرسي الجيش والشرطة ضد ملايين المتظاهرين مثلًا؟ وما هي حدود التكلفة التي سيتحملها في هذا الأمر طالما قرر إراقة الدم؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.