حدثني أصدقاء كثيرون بغضب واندهاش عن واقعة استضافة التليفزيون الرسمي للدولة لجمال البنا في حوار على الهواء في أهم أوقات الذروة الإعلامية وفي برنامج "مصر النهاردة" بما يعني الاحتفال البالغ بالرجل ، وإدراك التليفزيون الرسمي للأهمية القصوى لأفكاره ، والحرص الزائد من الدولة على وصول "رسالته" الفكرية إلى أكبر قطاع ممكن من المواطنين ، وهو أمر محير جدا ، لأن ما قاله جمال البنا لا يخرج أبدا عن كلام "غرز الحشاشين" ، عندما يضربون كلاما عجيبا في كلام أكثر غرابة في تركيبة موضوع مضحك وخارج المنطق والعقل ، وهذه النوعية من الكلمات وما يشبه "خبط الحشاشين" معتادة كثيرا في كلام جمال البنا ، ولذلك لا يشغلني هنا أبدا الاعتراض عليها أصلا أو نقدها لأن هذه النوعية من التهريج يكون من السخف في تقديري أن تهبط لمناقشتها ، ولكن الغريب جدا والمستفز فعلا أن يقوم التليفزيون الرسمي للدولة بتحويل أهم برنامج فيه إلى "غرزة حشاشين" يقول فيها "الضيف الكبير" أنه لا مشكلة في الدين عندما يحضن طالب طالبة صديقته أو يقبلها في الشارع أو الجامعة أو قاعات الدراسة ، أو أن يقول بأن الطالب والطالبة يمكن أن يتفقا على لقاء جنسي لمدة ساعة أو يوم حسب الاحتياج مقابل مائة جنيه أو أكثر أو أقل ، حسب الاتفاق ، ثم يمضي كل في طريقه بعد أن "يقضي حاجته"، وأن هذا حلال بلال ومشروع مشروعية تامة في الإسلام ، ويمكن أن يتكرر الطلب كلما دعت الحاجة ، ويقوم التليفزيون الرسمي للدولة بنشر هذا الهراء والتهريج على ملايين المواطنين ، في دعوة سافرة ومستهترة وحقيرة لإشاعة الفاحشة في المجتمع والتحريض العلني على الفسق وتسهيل الدعارة والخروج على الآداب العامة ، وكل هذه النواحي يجرمها القانون ويتعرض مرتكبها للتحقيق والمحاكمة بنص القانون المصري وأحكام تاريخية شهيرة لمحكمة النقض ، وبناءا عليها أطالب بتقديم كل من شارك في هذه المهزلة للمحاكمة ، وأدعو أي محامي وطني غيور لتحريك دعوى قضائية ضد وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وكل مذيع أو معد برامج شارك في هذه الجريمة العلنية التي تم بثها على ملايين المشاهدين في التليفزيون الرسمي للدولة ، والمثير للدهشة أن الإعلام الرسمي والتليفزيون الرسمي ونفس هذا البرنامج قبل تغيير اسمه ، كان لا يتوقف عن شن الحملات العنيفة ضد القنوات الدينية الإسلامية المستقلة ، مثل الحكمة والناس والرحمة وغيرها ، بدعوى أنها لا تخضع لرقابة الأزهر ، وأن لها آراءا فقهية متشددة وأن الدعاة الذين يتحدثون فيها أو يقدمون فتاوى لم يحصلوا على شهادات علمية أزهرية تخولهم ذلك ، ويحرضون الدولة وأجهزتها بصفة مستمرة على هذه القنوات بدعوى نفاقية وكاذبة من الغيرة على الدين ، فإذا هم يقدمون في نفس برنامجهم "كلام الحشاشين" الذي لا يمكن أن تنسبه إلى أزهر ولا أزعر ولا علم ولا دين ولا خلق ولا عقل ، ولا يمكن حتى أن تصفه بتطرف أو تشدد أصلا ، لأنه لا يخضع لتقييم العقلاء ، هي أفكار منتجة خصيصا للحشاشين ، الآن وجدتم أن جمال البنا هو العالم الأزهري الفذ المشهود له بالرسوخ في العلم ، والفقيه الذي اعتمد الأزهر على فتاواه ، والداعية الذي ينير عقول المصريين ويضعهم على طريق الإسلام الوسطي المعتدل ، مرة أخرى أؤكد على أن كلامي لا يتصل بشخص جمال البنا ، فهو مسكين وأعرفه معرفة شخصية منذ حوالي خمسة عشر عاما ، وأشفقت عليه كثيرا وقتها وحتى الآن لظروف عائلية وتكوين نفسي معقد ، وهو أساسا لا يدرك شعور الأب ومسؤوليته تجاه أبنائه أو بناته ، لأنه لم يتزوج ابتداءا لظروف خاصة ، فليست قضيتي هنا أبدا جمال البنا ، ولكن قضيتي هي الفضيحة العلنية بل الجريمة الكاملة التي ارتكبها التليفزيون الرسمي للدولة ، والتي تدلل من جديد على أن البلد أصبحت "سيبه" وكل من استولى على ركن فيها يستطيع أن يفعل فيها ما يشاء ، كيفما شاء ، دون حسيب ولا رقيب ، مولد وصاحبه غايب كما يقولون ، ولكنهم يكابرون بأنه ما زال يتابع ويوجه ويحاسب . [email protected]