جاءت تصريحات وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم الأحد واضحة هذه المرة بعد تصريحات وإشارات عمومية طوال الفترة الماضية لا يفهم منها موقف محدد بشأن الأزمة في البلاد. الجيش خرج من السياسة، لكنه مازال فاعلًا فيها، لأنه القوة الوحيدة القادرة على حسم صراعات السياسيين في أية لحظة، وهو مدعوم بثقة الأغلبية الكاسحة للشعب التي لم يتزعزع تأييدها له حتى في الفترة التي شهدت هتافات قوى ثورية وسياسية "يسقط حكم العسكر". القادر على تفكيك الأزمة المعقدة بين الحكم والمعارضة هو الجيش في اتجاهين، الأول: الضغط على الطرفين للتوافق، وعصمة الوطن من دماء وجراح متوقعة في 30 يونيه، وبوادرها بدأت منذ أيام. والثاني: فشل التوافق، وهذا يعني تدخل الجيش، وتولي السلطة، كما هدد السيسي بالفعل. ومن قراءة تصريحات وزير الدفاع نجدها تتضمن الاتجاهين معا دون مواربة، وقد أورد عددًا من المبررات المقبولة للتدخل بقوله : "المسؤولية الوطنية والأخلاقية للقوات المسلحة تجاه شعبها تحتم عليها التدخل لمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع، أو الاقتتال الداخلي، أو التجريم، أو التخوين، أو الفتنة الطائفية، أو انهيار مؤسسات الدولة". كل الأطراف المتصارعة تتحدث وتكتب وتختلف وتتظاهر وتعتصم وتهدد وتقاتل تحت عنوان واحد هو مصلحة الوطن والشعب، حسب رؤية كل طرف لتلك المصلحة، لكن هذا الصراع سيظل محتدمًا وممتدًا وكارثيًا، لأن كل طرف متمسك برؤيته هو للمصلحة الوطنية، ولا يريد أن يتقارب مع الطرف الآخر، وبالتالي لابد من طرف محايد يملك قوة التأثير، بل الفرض والإجبار ليوقف اندفاع القطارين المتقابلين على نفس السكة قبل الاصطدام الدموي العنيف المتوقع، وهو هنا الجيش، وهو إذا تدخل سيكون ذلك بسبب فشل السياسيين في حسن إدارتهم لخلافاتهم، وتهديدهم لمستقبل الوطن في أول تجربة ديمقراطية مدنية، والخطير أنهم بذلك يمنحون المؤسسة العسكرية مبررًا إضافيًا لاحتكارها الحكم منذ ثورة يوليو1952 وحتى ثورة يناير 2011، فالمدنيون سيظهرون كأنهم غير مؤهلين للحكم، والدليل أن أول تجربة لهم تتجه إلى الفشل أيًا كانت الأسباب، أو الأطراف التي تقف وراء ذلك. كيف سيكون مسار تصريحات السيسي؟!. بالنسبة للحكم، إما أن يقدم الرئيس تنازلات، ولو مؤلمة، فليست أمامه رفاهية الوقت، ولا يكفي دعم الإسلاميين له لأن الضفة المعارضة تحقق اصطفافًا واسعًا لكل قواها، كما تتحالف مع أنصار النظام السابق - هم خزان العنف -، والمعارضة تعمل بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، فهي تريد إسقاط مرسي، ولو تحالفت مع الشيطان، ثم إن الرئيس يخسر أهم ورقة وهي الشارع، فهناك قطاعات شعبية غير مسيسة انفضت من حوله، بسبب سوء أوضاعها المعيشية والأمنية، وهي تتفاعل مع دعوات المعارضة. إذا قدم الرئيس التنازلات المقبولة، فمن الواجب أن تستجيب المعارضة، ولو بضغط من السيسي، وبضمانته لطمأنتها، وهنا يتم الالتقاء حول مائدة حوار جادة للخروج من المأزق بخريطة طريق واضحة المعالم لإنجاز التحول الانتقالي الديمقراطي بشكل آمن لبناء مؤسسات ديمقراطية بتوافق كل الأطراف الفاعلة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وعلى قاعدة أخرى أهم وهي أن الاحتكام للإرادة الشعبية والانتخابات النزيهة هي أساس الحكم وحل الخلافات، وكما قال السيسي فإن هناك أسبوعًا يمكن أن يتحقق خلاله الكثير. هذا هو مسار الحل لو حسنت النوايا من السلطة حتى لو تقلصت صلاحياتها، فلابد من تضحيات لأنها ضعيفة ومرتبكة، ولم تحسن الإدارة، ولم تهتم بالأولويات، وانجرفت إلى لعبة الصراع على حساب الخدمات، ويكتمل الحل لو حسنت النوايا من المعارضة بالتجاوب، والإقلاع عن مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة. أما سوء النية فهو أن يرفض الرئيس تقديم شيء مهم، وبالتالي سيقدم هدية للمعارضة بأن تتمسك بالانتخابات المبكرة، كما سيمنح الجيش المبرر للتدخل لأن مظاهرات يوينه ستصيب البلاد بالشلل، وستفجر عنفًا متوقعًا، وهذا يعني رحيل الرئيس، أو انتهائه عمليًا. وسوء النية من جانب المعارضة يكون برفض ما يقدمه الرئيس، والمضي في 30 يوينه، وتعمد إشعال العنف لتوفير الذريعة للجيش للتدخل طالما أن ذلك السيناريو سيسقط مرسي، وهي عمومًا تسعى لذلك منذ فترة. الأزمة معقدة، ولا أحد في أطرافها وصناعها يعمل لمصلحة الوطن والشعب كما يزعم بقدر ما يعمل لمصلحته وتحطيم خصمه ليخرج فائزًا، لكن الكل سيكون خاسرًا لأن عودة الجيش للسلطة سيعني احتكاره لها للأبد، وسيضيع حلم تأسيس حكم مدني وديمقراطية شعبية لأول مرة في تاريخ مصر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.