حضرت يوم أمس الأول الاحتفالية التي أقامها المركز العربي للإعلام، ب"ثمانينية" الشاعر والناقد المصري الكبير الدكتور جابر قميحية. كانت الاحتفالية مترعة بعبير إنساني قلما تتنسمه في أية مناسبة مشابهة.. فأنا على سبيل المثال حضرت عددا كبيرا من الندوات والمؤتمرات التي نظمت للاحتفاء بهذا أو بذاك من نجوم الرأي والسياسة ورجال الدولة، في جلها كانت من قبيل سرادقات "أداء الواجب" مثل نبات الصوبة لا طعم ولا رائحة.. ورغم انني أشعر بالضجر عادة من مثل هذه المناسبات، ولا اطيق حضورها أكثر من دقائق معدودة، إلا أنني وجدني يوم أمس الأول ولأول مرة اتمنى أن يمضى الاحتفال الليل كله.. فقد استمعت لمداخلات وأوراق من تلاميذ المبدع جابر قميحة ومن علماء لغة واساتذة أدب كبار، أخذتني كما يقول نزار قباني من تحت ذراعي ..تزرعني في إحدى الغيمات.. الكل جاء محبا وعاشقا لفارس الكلمة النبيل د. قميحة، فخرجت الكلمات لتمس القلوب وترق لها المشاعر والكل يتمنى ان يكون مستمعا وليس متحدثا، لما حوته من علم ورقة وعذوبة تليق بشاعرنا الحاني وانسانيته المتدفقة. جابر قميحة.. مع حفظ المقامات والألقاب.. واحد من أعظم نقاد الأدب العربي الحديث، ولو كان الرجل علمانيا أو يساريا لصنعوا له تمثالا.. غير أن قميحة ظل وفيا لتعاليم استاذه وإمامه الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى.. واختار أن يبقى "كروان" الحركة التي أسسها الإمام، ليسدد فاتورة ذلك باهظا حيث حوصر من قبل الاعلام الرسمي والخاص والمختطف من اليسار المصري المتطرف.. وتجاهلته الدولة واحتفت فقط ب"الصغار" و"التوافه" والمزورين ومنحتهم أرفع الأوسمة والجوائز وقدمتهم باعتبارهم "القدوة" ورموز مصر الحديثة! أجمل ما في د. قميحة هي صلابته إذ لم يكترث بهذا الحصار بل تجاهله ومضى في طريقه شاهرا قلمه في وجه الطغاة والفاسدين أدعياء الأدب والشعر والحداثة، غير عابئ ولا مكترث لسلطاتهم الواسعة وهيمنتهم على صناعة السياسات الثقافية والفكرية في مصر عصيا على الإغراء والتغرير والبيع والشراء.. كان يؤمن بأن ذلك كله "غثاء" وسيذهب إلى حيث يستحق وسيبقى جابر قميحة الإنسان والمناضل والشاعر والناقد والأديب حيا في ضمير ووعي تلاميذه وسدنة الأدب واساطينه الحقيقيين. تحية إكبار وتقدير للدكتور جابر قميحة.. ومتعه الله بالصحة وطول والعمر.. ونسأله تعالى أن لا يحرمنا بركته وعطر كلماته وعبير "نكاته" و خفة دمه وحنوه وإنسانيته.. فمثله لا يطاق فراقه. [email protected]